قلت: وإنما تبع ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لأن الكمل يستحيون من الأرض إذا قضوا عليها الحاجة خوفا أن تكون تلك البقعة مشرفة لا تصلح لقضاء الحاجة فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك قال في نفسه لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن تلك البقعة تصلح لذلك ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
قال الحافظ: والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في اتباعهم له واقتفائهم سننه كثيرة جدا. والله أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نكون في أعمال الخير من أهل الرعيل الأول فنبدأ بفعل الخير قبل الناس مسارعة للخير ويستن بنا الناس، وذلك كما إذا رأينا إنسانا يسأل الناس ولا أحد يعطيه شئ فنعطيه أمام الناس تحريضا لهم على العطاء ولا نعطيه سرا، وكذلك نحرص على أن نقوم من الليل من أول ما يقع التجلي:
" " وينادي الحق تعالى هل من سائل فأعطيه سؤله، هل من مستغفر فأغفر له، هل من مبتلى فأعافيه " ".
إلى آخر ما ورد في ذلك من أول الثلث الأخير من الليل في أغلب التجليات التي كان صلى الله عليه وسلم يتهجد وقتها، كما أشار إليه قوله تعالى:
* (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) *.
وذلك ليتأسى بنا إخواننا وجيراننا، فربما قام أحدهم يتهجد حين يرانا فيكتب لنا وله الأجر.
ومن هذا الباب أيضا إظهار التصبر على البلايا والمحن في هذا الزمان ليتأسى الناس بنا في الصبر وعدم التسخط، فإن رأينا الصبر بلغ حده أظهرنا الضعف حتى يرتفع كما وقع لأيوب عليه السلام، فعلم أنه ينبغي لكل عامل أن يستر عمله ما استطاع إلا في محل يقتدي به في فعله وفي كيفيته. والله أعلم.
وسمعت سيدي عليا الخواص رضي الله عنه يقول: لا ينبغي إظهار الأعمال إلا للأكابر من العلماء والصالحين الغواصين على دسائس النفوس، وأما أمثالنا فربما يظهر الواحد منا أعماله رياء وسمعة وتلبس عليه نفسه وتقول له أنت بحمد الله من المخلصين، وإنما تظهر هذه العبادة ليقتدي بك الناس فينبغي لمثل هذا أن يمتحن نفسه بما لو جاء أحد يفعل ذلك الخير وتنقاد الناس له مثله أو أكثر منه، فإن انشرح لذلك فهو مخلص، وإن انقبض خاطره