كل هذه الروايات في الصحيحين، وفي رواية لمالك والبخاري أيضا:
" " إن أحب الأعمال إلى الله تعالى الذي يدوم عليه صاحبه " ".
وكانت عائشة إذا عملت عملا أثبتته يعني داومت عليه. وروى الترمذي مرفوعا:
(أحب العمل إلى الله تعالى ما ديم عليه وإن قل) وإن قل.
وقيل لعائشة رضي الله عنها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص شيئا من الأيام؟ قالت لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟
ومعنى يحجره في الرواية الأولى: يتخذه حجرة، وناحية فينفرد عليه فيها، ومعنى يثوبون يرجعون إليه ويجتمعون عنده.
وروى ابن حبان في صحيحه عن أم سلمة قالت: " " ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صلاته وهو جالس " "، يعني في النوافل، وكان أحب الأعمال إليه ما داوم عليه العبد، وإن كان يسيرا. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نحب الفقر وقلة ذات اليد، وكذلك نحب من كان بهذه الصفة أيضا من الفقراء والمساكين والمستضعفين، ونحب مجالستهم عملا بقوله تعالى:
* (ولا تعد عيناك عنهم) *.
وذلك لأن رحمة الله تعالى لا تفارقهم فنحبهم ونحب مجالستهم لمحبة الله تعالى لهم، وكذلك نحب الفقر لما فيه من كثرة سؤالنا للحق وتوجهنا إليه لعلة أخرى.
وإيضاح ذلك أن حاجة العبد تذكره بالله تعالى وعدم حاجته تنسيه الحق، قال تعالى:
* (كلا إن الإنسان ليغطي أن رآه استغنى) * وقال * (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم) *.
ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم:
اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وكفافا.
أي لا يفضل عنهم من غدائهم ولا عشائهم شئ، وذلك ليصيروا متوجهين إلى الله تعالى كل حين لا ينسونه.