وروى ابن ماجة مرفوعا: " " إن الله تعالى أعطاني خصالا ثلاثة: أعطاني صلاة في الصفوف، وأعطاني التحية، إنها لتحية أهل الجنة، وأعطاني التأمين، ولم يعطه أحدا من النبيين قبلي، إلا أن الله تعالى أعطى هارون يدعو موسى ويؤمن هارون " ".
وروى الحاكم مرفوعا: " " لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم، ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله تعالى " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نستعد للصلاة قبل فعلها بما يعيننا على الخشوع فيها، وذلك بالجوع وترك اللغو وكثرة الذكر وتلاوة القرآن والمراقبة لله تعالى، فإن كف الجوارح عن المفضول إنما يسهل على العبد بذلك، فمن شبع ولغا وغفل عن الله تعالى شردت جوارحه عن إمكانها وعسر على العبد كفها.
فاعمل يا أخي على تحصيل الحضور مع الله تعالى في العبادات كلها فإنه روحها، إذ كل عبادة لا حضور فيها فهي إلى المؤاخذة أقرب، ولا تطلب حصول خشوع من غير مقدمات سلوك أو جذب، فإن ذلك لا يكون لك أبدا.
واعلم أن وضع اليمين على اليسار تحت الصدر من سنن الصلاة، لكن إن شغل مراعاة ذلك القلب عن كمال الحضور مع الله تعالى، فينبغي إرخاؤهما بجنبه كما هو مذهب الإمام مالك في نافلة الليل، فمن لم يشغله مراعاة ذلك عن كمال الحضور مع الله تعالى بالنسبة لمقامه هو فمن الأدب وضع يديه تحت صدره، ومن شغله مراعاة ذلك عن كمال الحضور فمن الأدب إرخاء يديه بجنبيه فاعلم أن جعل اليدين تحت الصدر من أدب الأكابر وإرخاؤهما بالجنبين من أدب الصغائر، وفي ذلك تنبيه على أن الأصاغر يعجزون عن مراعاة شيئين معا في وقت واحد، بخلاف الأكابر فاعلم ذلك، وكان أخي أفضل الدين يعيد كل صلاة ظن أنه حصل له فيها خشوع ويقول: كل عبادة شعرت النفس بكمالها فهي ناقصة، فلا يسع العبد إلا أن يصلي ويستغفر الله عز وجل.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إنما كان الأكابر لا يحتاجون إلى تحصيل استعداد لكل صلاة كغيرهم لانفكاك قلوبهم عن التعلق بالأكوان، فهم دائما حاضرون مع الله تعالى وراثة محمدية في حال مزحهم ولغوهم. فلكل مقام رجال. والله تعالى أعلم.