وروى أبو داود أن رجلا سأل أبا ذر هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال ما لقيته قط إلا صافحني، وأرسل إلى ذات يوم ولم أكن في أهلي فجئت فأخبرت أنه أرسل إلى فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود.
وقد روى مالك معضلا وأسند من طرق ولكن فيها مقال مرفوعا:
" " تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرغب إخواننا في العزلة عن الناس إذا لم يأمنوا على أنفسهم عند الاختلاط، فإن أمنوا عليها فالمستحب الاختلاط على أصل قاعدة المسلمين في دينهم.
وقد أجمع الأشياخ علينه ليس للكمل الهروب من الناس لعدم الخوف عليهم من الاشتغال بالخلق عن الله تعالى، وأما من خاف مع دعوى الكمال فدعواه الكمال زور وبهتان فهو إما شخص جلس بنفسه من غير فطام على يد شيخ، وإما أن شيخه مفتر كذاب لا يصلح لأن يكون أستاذا كما هو الغالب في أهل هذا الزمان، حين فقدت الأشياخ، الذين آخرهم في مصر سيدي علي المرصفي رضي الله عنه، فصار كل من سولت له نفسه أن يكون شيخا جمع له بعض ناس من العوام وجلسوا يذكرون الله تعالى صباحا ومساء بغير آداب الذكر المشهورة عند القوم وظن في نفسه أنه صار شيخا مثل المشايخ الماضين، مع أنه لا يصلح أن يكون مريدا كما بسطنا الكلام على ذلك في رسالة قواعد الصوفية، وهو كتاب من طالع فيه علم بأنه ما صنف في الطريق مثله وحكم على نفسه أنه لم يشم طريق الإرادة وقد رأيت كثيرا ممن أذن لهم أشياخهم بالتربية عادوا أشياخهم وهجروهم وادعوا أنهم أعلم بالطريق منهم فمقتوا ولم ينتج على يدهم أحد، وكل ذلك لوقوع الأذن لهم من أشياخهم قبل خمود نار بشريتهم فكان اللوم على الأشياخ لا عليهم.
وقد كان سيدي عليا المرصفي عزيز في المشيخة إلا أن يأتيه إذن بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا فلما مات انحل نظام الطريق في مصر وقراها، وما ظهر بعده أحد حذوه سوى الأخ الصالح سيدي أبي العباس الحريثي رحمه الله.
وكان يحكي عن سيدي يوسف العجمي أنه لما أراد الله تعالى أن ينقله من بلاد العجم سمع قائلا يقول يا أبا يوسف اذهب إلى مصر انفع الناس، فقال شيطان ثم ناداه ثانيا فقال