وروى الطبراني وغيره مرفوعا: " " من انقطع إلى الله تعالى كفاه الله مؤونته ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ندفع غضبنا ونكظم غيظنا، ونأمر بذلك جميع إخواننا، وإذا غضب أحدنا وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع، فإن لم يزل فليتوضأ.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ صادق يدخله إلى حضرة الرضا بكل واقع في الوجود وبطريقه الشرعي، فلا يبقى عنده شئ يغضبه لأنه فعل حكيم عليم، وما ترك الناس يغضبون إلا حجابهم عن شهود أن الله هو الفاعل لكل ما برز في الوجود، وشهودهم الفعل من جنسهم، فلذلك غضبوا على غضبهم، ولو أنهم سلكوا الطريق لوجدوا الفعل لله تعالى ببادئ الرأي، فلم يجدوا من يرسلون عليه غضبهم ووجدوا كل شئ وقع في الوجود هو عين الحكمة فذهب اعتراضهم وعصمتهم للنفس جملة.
فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح ليقل غضبك، وإلا فمن لازمك الغضب شئت أم أبيت، فعلم أن الكامل لا يغضب لنفسه قط، وإنما يغضب إذا انتهكت حرمات الله تعالى، وكأن الحق تعالى يقول للكامل: إذا رأيت عملا برز على يد أحد من عبيدي مخالفا لشريعة نبيي صلى الله عليه وسلم فاغضب، ولو شهدت أني أنا الفاعل لكني لم آمرك أن تغضب على فعلي، وإنما آمرك أن تغضب على وجه نسبة الفعل إلى عبدي، فعلم أنه لا سبيل لأحد إلى تبرئة العبد عن الفعل جملة أبدا.
* (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي) * فافهم.
وقد قدمنا أن كل من غضب لله تعالى غضب الله تعالى لغضبه إذا آذاه أحد:
* (جزاءا وفاقا) *.
ومن رأى محرمات الحق وسكت على فاعلها مع قدرته على منعه لم يغضب الله لغضبه ولا ينتصر له، بل يتركه حتى يكاد يذوب فلا يلومن العبد إلا نفسه، إما كشفا ويقينا وإما إيمانا وتسليما.