وروى البيهقي بإسناد صحيح أن عبد الله بن المبارك كان إذا شرب من ماء زمزم استقبل الكعبة وقال: اللهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ماء زمزم لما شرب له وها أنا أشربه لعطش يوم القيامة ثم يشرب " ".
وروى الإمام أحمد وابن ماجة المرفوع منه بإسناد حسن، والله تعالى اعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نكثر من الصلاة في مسجد مكة والمدينة لما ورد ذلك من الفضل فإن الشارع صلى الله عليه وسلم إنما بين لنا فضل هذين المسجدين لنستغنم الصلاة فيهما مدة إقامتنا هناك، لا سيما إن زادت الصلاة في الخشوع هناك، كما هو الغالب فيجتمع للمصلي شرف البقعة وشرف الحضرة وربما يحصل لبعض المصلين الأجر الذي يخرج عن الحصر لكونه جليس الملك وجلساء الملوك لا تحصى مواهبهم في العادة.
وتقدم في عهود الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم:
" " الصلاة خير موضوع " ".
لأن فيها عمل جميع البدن، فيكون معظم عملنا الصلاة والطواف ما عدا المناسك ومهمات الحوائج وهذا العهد يخل به كثير من التجار الذين يبيعون في الموسم القماش فلا يتهنأ أحدهم بطواف بل ولا بصلاة الجماعة، فيصير في النهار غافلا وبالليل نائما أو يحسب ما باع به وما اشتراه حتى يرحل الحاج.
وقد رأيت ذلك وقع لقاضي المحمل وكان من العلماء لكونه سافر بأحمال قماش، فرأيته طائفا يوما واحدا ورأيته يصلي الصلاة منفردا ففاته خير كثير، فمن أراد من التجار أن يتفرغ للعبادة فليوكل من يبيع له ذلك بشرط أن تكون نفسه غافلة عن الحسابات والربح والخسارة في الطواف وغيره، فإن من كانت الدنيا أكبر همه هناك حرم الخير، لكونه القلب ليس له اشتغال إلا بأمر واحد متى توجه إليه حجب عن غيره، والحكم للأغلب من الأمرين.
* (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) *.