بعد ذلك، لأنه ما قال ذلك إلا بحسب ما عنده من أنه يستثقل بالضيف وهذا منزع دقيق.
وسمعته مرة أخرى يقول: إياك أن تأكل لمن استضافك لأجل اعتقاده فيك الصلاح فإنك إن كنت صالحا في نفس الأمر فقد أكلت بدينك، وإن لم تكن صالحا فقد أكلت حراما بنص الشريعة، فقلت له: ممن آكل؟ فقال: لا تأكل إلا ممن لو رآك تشرب الخمر لا يقطع ضيافته عنك فإنه حينئذ يطعمك لله تعالى، بخلاف من غلب ظنك فيه أنك لو سلمت من الصلاح لم يطعمك لقمة. وهذا ورع الفقراء الذين مضوا، وأما اليوم فلا تكاد ترى أحدا يتورع من ذلك.
وسمعته رضي الله عنه يقول: إذا استضفت إنسانا في رمضان فلا تقدم له طعاما كثيرا زيادة على حاجته إلا إن علمت منه العفة والقناعة وعدم شراهة النفس، فإن علمت منه ضد ذلك فأخرج له شيئا يسيرا لأن رمضان شهر الجوع ومن أعان ضيفا على تعدى آداب الشارع فهو إلى قلة الأجر أقرب فينبغي للفقير أن يكون أشفق على الناس وعلى دينهم من أنفسهم، فقلت ربما خاف الإنسان من نسبته إلى تقصير إذا أخرج للضيف كسرة يابسة مثلا، فقال: من يخاف العتب من الناس ما هو من رجال هذا المقام إنما هذا لمن يراعى الله وحده، وقد جربنا أنه ما أخلص عبد في شئ ورد عليه بسوء أبدا فإن رد عليه بسوء فإنما ذلك لشئ يخالطه من أهوية النفوس.
وسمعته مرة أخرى يقول: لا يكمل الفقير عندنا الطريق حتى يكرم كل وارد عليه من الأنفاس والخواطر من حيث إنهم رسل الله فتروح تلك الأنفاس والخواطر إلى حضرة ربها شاكرة له ما صنعه فيها من الأعمال المرضية والأخلاق النبوية.
وسمعته مرة أخرى يقول: إياك أن تضيف مريدا من مريدي الغير، إلا إن كنت تعلم منه ثبات قلبه مع أستاذه بحيث لا يبدي لك ميلا يجرح مقام أستاذه فإن علمت منه ذلك فليس لك أن تضيفه، لئلا يتلف حاله مع شيخه ويصير لا يقبله كما أنك أنت الآخر لا تقبله من حيث إشراكه أستاذه معك أو إشراكك من أستاذه.
وسمعت سيدي محمد بن عنان رحمه الله يقول: إذا صرت موردة للناس فإياك أن تتكلف لضيف فإنك تهرب ولو على طول.
* (والله عليم حكيم) *.