(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نختار للمجالسة الجليس الصالح وهو الذي لا يلحقنا إثم مجالسته، وذلك إما بالتوبة من الإثم فإذا وقع أحدنا بسببه في ذنب تاب على الفور من غير إصرار، وإما بعدم وقوعنا في الإثم بسببه أصلا.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سياسة وفراسة ليعرف من يستحق المجالسة ممن لا يستحق، ومن لا سياسة عنده يقبل على مجالسة كل من رآه، ثم بعد ذلك يقطع مجالسته فيصير عدوا له.
وقد قالوا: العاقل من يقدم التجريب قبل التقريب، ووالله إن الإثم الذي يقع فيه من يعتزل الناس اليوم يكفيه ويغنيه عن زيادة الأوزار التي يكتسبها من مجالسة الناس، فلا يكاد الإنسان يجد مجلسا واحدا يخلو عن إثم أبدا، إما غيبة، وإما نميمة، وإما غفلة عن الله تعالى، وإما تحريض على طلب دنيا وإما غير ذلك، فالوحدة خير من مجالسة الناس اليوم، إلا أن تتعين المجالسة بطريقه الشرعي.
ففتش يا أخي على الصالحين وجالسهم، فإن لم تجدهم فاجلس وحدك فقد قالوا:
الوحدة ولا الجليس السوء، وقالوا: الجلوس مع الكلب أولى من الجلوس مع من يحملك على الآثام.
واعلم يا أخي أن كل من حصل لك بواسطة مجالسته إثم فهو جليس سوء، فهل سلم لك على هذا جليس واحد؟ لا والله لا تكاد تجده فالوحدة أولى، والسلام.
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: " " إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يجديك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير، إما أن تحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة " ". ومعنى يجديك: يعطيك.
ولفظ رواية أبي داود والنسائي مرفوعا:
" " مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شئ أصابك من ريحه، ومثل جليس السوء كمثل صاحب نافخ الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه " ". والله سبحانه وتعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن تجعل جلوسنا دائما للقبلة عملا بعموم قوله تعالى: