قال الحافظ المنذري، والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل ليستريح.
وروى أبو داود والنسائي مرفوعا: " " إن الناس كانوا إذا نزلوا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذلكم من الشيطان " ".
قال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نهتم بتحصيل الدنيا كل الاهتمام ولا نقبل عليها كل الإقبال وإنما يكون ذلك بقدر الضرورة لا غير.
وهذا العهد لا يقدر على العمل به إلا من سلك على يد شيخ ناصح وسافر به حتى أشرف على شهود دار البقاء بعين بصيرته، ونظر ما فيها من النعيم المقيم والمعيشة الواسعة الهنيئة حتى كأنها رأى العين، وهناك يزهد في دار الفناء.
وإيضاح ذلك أن الإنسان إذا كان عنده شئ نفيس لا يصح له أنه يتركه اختيارا إلا لوجود ما هو أنفس منه كما إذا كان حاملا في برية خرج فلوس جدد، فرأى كوم فضة فإنه يصب ذلك الخرج ويملأه فضة فإذا سافر بالخرج الفضة ورأي كوم ذهب فإنه يصب الفضة ويملأ خرجه ذهبا، وما دام لم يجد ما هو الأنفس فهو بخيل بما معه لا يتركه إلا إن وقاه الله شح نفسه.
وقد ذكرنا في عهود المشايخ في كتاب البحر المورود، أن العهود أخذت علينا إذا مررنا على أتلال الذهب أو الفضة من غير مزاحم عليها في الدنيا ولا تبعة علينا بها في الآخرة أن لا نأخذ منها إلا قدر قوتنا ذلك اليوم، أو قضاء ديننا، وأنه إذا دخلت لنا بغلة محملة ذهبا إلى دارنا من مطلب مثلا لا نأخذ منها دينارا بل نخرجها بحملها ونغلق باب دارنا احتياطا لأنفسنا أن ينقص نعيمها في الآخرة، وقد ذكرنا فيه أن الفقراء ما تميزوا عن غيرهم إلا بتركهم الدنيا اختيارا لا اضطرارا، فإن التارك الدنيا اضطرارا هو والعوام سواء.
فعلم أن من دسائس النفس على العبد أن توسوس له بالاهتمام بالدنيا والسعي لها وتقول له هذا سعي على العيال لا لنفسك والسعي على الغير من العيال مطلوب، وإنما الذم لو سعيت لنفسك فيصير يسعى ويهتم ويجمع في حجة العيال وهو يدخر ذلك حتى صار عنده الألف