فاعلم يا أخي أن أكثر من يقع في خيانة هذا العهد المتصوفة الذين لا قدم لها في الطريق فربما رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس من كلامه لعدم ذوقهم وعدم فرقانهم بين كلام النبوة وكلام غيرها، ولو أنهم كانوا من العارفين لعرفوا كلام النبوة وميزوه عن غيره، فإن لامعة نور النبوة لا تخفى على من في قلبه نور.
وقد سمعت بعضهم يحكي قول أبي محمد الكتاني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له يا رسول الله ادع الله لي أن لا يميت قلبي، فقال: قل كل يوم أربعين مرة:
يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، وهي رؤية منام فصار هذا يرويه عنه على إيهام أنه صلى الله عليه وسلم قاله لأصحابه، ورواه عنه الأئمة الحفاظ وهو وهم فاحش، فلولا أنني أعلمته بذلك ما علمه.
وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول: إنما قال بعض المحدثين أكذب الناس الصالحون لغلبة سلامة بواطنهم فيظنون بالناس الخير وأنهم لا يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرادهم بالصالحين المتعبدون الذين لا غوص لهم في علم البلاغة فلا يفرقون بين كلام النبوة وغيره بخلاف العارفين فإنهم لا يخفى عليهم ذلك حتى أن بعضهم كان يعرف صوت الشريف من غيره من وراء حجاب لكونه من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد من الله تعالى علي بتمييز كلام النبوة من غيره من حيث حلاوة التركيب العلمي بأنه لا أحد يقدر على فصاحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فربما سمع الصحابي شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عنه حفظ بعض اللفظ والمعنى موفور في قلبه فيكمل لنا الحديث بلفظه هو فأعرفه بركاكة تركيبه، وربما ظن بعض المحدثين أن ذلك الحديث موضوع، والحال أن الوضع إنما هو في مثل لفظة ونحوها وأصل الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتعلم يا أخي علم الحديث لتخرج من الوقوع في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو بغير قصد. والله تعالى أعلم.
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: " " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " ". قال الجلال السيوطي أنه متواتر.
وروى الطبراني مرفوعا: " " من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار " ". بإسقاط قوله متعمدا. * (والله غفور رحيم) *.