قلت: فقد بان لك أن من لم يخلص في عمله وعلمه فهو من الأخسرين أعمالا، ويشهد لذلك أيضا قرائن الأحوال التي جاءت بها الأحاديث في سياقها، وجميع ما ورد في فضل العلم والعمل إنما هو في حق المخلصين فيه. فإياك يا أخي والغلط فإن الناقد بصير، وقد كثر في هذا الزمان أقوام لا يعملون بعلمهم، وإذا نازعهم إنسان في دعواهم في قولهم نحن من أهل العلم استدلوا بما جاء في فضل طلب العلم مطلقه من غير شرط إخلاص، فيقال لمثل هؤلاء فأين الآيات والأخبار والآثار الواردة في حق من لم يعمل بعلمه ولم يخلص؟
فلا تغالط يا أخي وتدعي الإخلاص في علمك وعملك من غير تفتيش فإنه غش.
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول في معنى حديث " إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ":
هذا الرجل يتعلم العلم رياء وسمعة فيعلم الناس أمور دينهم ويفقههم ويحرسهم وينصر الدين إذا ضعف جانبه، ثم يدخله الله تعالى بعد ذلك النار لعدم إخلاصه.
أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتبع السنة المحمدية في جميع أقوالنا وأفعالنا وعقائدنا، فإن لم نعرف لذلك الأمر دليلا من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس توقفنا عن العمل به، ثم ننظر فإن كان ذلك الأمر قد استحسنه بعض العلماء استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ثم فعلناه أدبا مع ذلك العالم، وذلك كله خوف الابتداع في الشريعة المطهرة فنكون من جملة الأئمة المضلين، وقد شاورته صلى الله عليه وسلم في قول بعضهم: إنه ينبغي أن يقول المصلي في سجود السهو: سبحان من لا ينام ولا يسهو، فقال صلى الله عليه وسلم هو حسن، ثم لا يخفي أن الاستئذان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بحسب المقام الذي فيه العبد حال إرادته الفعل، فإن كان من أهل الاجتماع به صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة كما هو مقام أهل الكشف استأذنه كذلك وإلا استأذنه بالقلب وانتظر ما يحدثه الله تعالى في قلبه من استحسان الفعل أو الترك.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: ليس مراد الأكابر من حثهم على العمل على موافقة الكتاب والسنة إلا مجالسة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر لا غير فإنهم يعلمون أن الحق تعالى لا يجالسهم إلا في عمل شرعه هو ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما ما ابتدع فلا يجالسهم الحق تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فيه أبدا وإنما يجالسون فيه من ابتدعه من عالم أو جاهل، فعلم أنه ليس قصد أهل الله تعالى بعبادتهم