وتقدم عدة أحاديث في باب الزكاة تتعلق بالعمال إذا جاروا فراجعها إن شئت، وكذلك بسطنا الكلام في عهود الولاة في كتاب البحر المورود فراجعه إن شئت. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نمكن أحدا ممن صحبناه من الولاة في هذا الزمان وانقاد لنا أن يشق على رعيته، أو يجوز عليهم أو يغشهم أو يحتجب عنهم، أو يغلق بابه دون حاجتهم، فإن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وإذا عدل الوالي فقد قام بحق دين الله، وإذا جار فقد أخل بحقه، وهذا العهد خاص فعله بأكابر العلماء والصالحين المتعففين عما بأيدي الظلمة والولاة الذين [ليس؟؟] لهم عند الولاة لا بر ولا حسنة ولا جوالى ولا مسموح ولا مرتب على بساط السلطان ونحو ذلك، لأن هؤلاء ربما سمع لهم الولاة وأما من يأكل من أموالهم ويقبل صدقاتهم وبرهم ولو بلا بسؤال فلسانه أخرس وعيناه عمياء وأذناه صماء قهر عليه لا يقدر على نفسه أن يكلمهم كلمة، وقد قل العالم والصالح العفيف عن مثل ما ذكرناه وصار هذا النوع في العلماء والصالحين أقل من القليل وربما نهوا أحد من الولاة أو أمروه بمعروف فقام لهم من له عنده الولاة علاقة فصار خصما لهم حتى كأن الذي أمر بالمعروف هو الذي فعل المنكر، ومن شك في قولي هذا فليجرب فإن أهل الشر قد غلبوا على أهل الخير: * (ليقضي الله أمر كان مفعولا) *.
وإذا غلب أهل الله عن إقامة الدين فلا لوم عليهم بل أقول إنه لو أراد الأئمة الآن أن يعدلوا في رعاياهم لا يقدرون لعدم استحقاق رعيتهم الرحمة بهم، فعلة الظلم والجور مركبة من الرعية والظلمة، وما بقي يرجى لهم تنفيس حتى يخرج عيسى بن مريم عليه السلام.
وكان آخر كلام سمعناه من سيدي علي الخواص قبل موته بثلاثة أيام: قد صار الخلق الآن كالسمك الذي كان في بركة ماء ثم نشف عنه الماء وصار في أرض يابسة، فالكلاب والحدادي تخطفه وتفسخه في النهار والذئاب والثعالب تفسخه بالليل، ولا بقي يرجى عود الماء حتى ينغمر فيه السمك الذي هو كناية عن الرحمة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.