قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال، فلما أصبحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة وقد أثرد فيها فالتقوا عليها، فلما كثروا جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي ما هذه الجلسة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" " إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها " ".
والذروة: هي أعلاها، وهي بكسر الذال المعجمة:
وروى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه مرفوعا:
" " البركة تنزل في وسط الطعام فكلوا من جانبيه ولا تأكلوا من وسطه " ".
ولفظ أبي داود: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم " " إذا أكل أحدكم طعاما لا يأكل من أعلى الصفحة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاه " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نقنع من الأدم بتغميس اللقمة بخل أو زيت، لا سيما في هذا الزمان الذي صار فيه الدرهم الحلال أعز من الكبريت الأحمر، وشئ يمدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد أن يذمه، ووالله إن سف التراب الآن لكثير علينا لقلة حيائنا من الله وكثرة غفلتنا عنه وقلة شكرنا له، وعدم رضانا بما قسمه لنا، وكل ذلك ينافي صفات العبودية، ومن لم يقم بأوصاف العبيد فلا ينبغي له مطالبة سيده بالقيام به، لأنه لا يستحق على سيده شيئا ولو كان عبدا له كما أشار إليه خبر:
فكم ممن لا مطعم له ولا مأوى.
أي لا يطعمه الحق كما تختار نفسه ولا يؤويه كما تختار نفسه، وإلا فهو تعالى يرزق الكافر فافهم.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: من طلب من الحق فوق الضرورة في هذه الدار فهو أعمى البصيرة، وإذا كان لا يقدر على القيام بالشكر لله على الضروريات فكيف يقدر على شكره على الشهوات.