وقد سمعت سيدي عليا المرصفي رحمه الله يقول عن هذا الرجل: لو أمكنني منع هذا الرجل من الجلوس بين الناس لفعلت لكونه جلس بنفسه من غير إذن من شيخ وعمل على عقول بعض الأمراء وتجاهى علينا، وقد عمل على عقل أكابر الدولة حتى صاحبنا الأمير محيي الدين من كونه من دهى العالم ولكن لما جمعته على سيدي علي الخواص قال له: إن اجتمعت على ذلك الرجل فلا تعد تأتني أبدا فلم يجتمع به حتى مات.
فاسلك يا أخي الطريق على يد شيخ ثم اجلس لقضاء حوائج الناس بعد الفطام والله يتولى هداك.
وقد كان الشيخ جلال الدين المحلى شارح المنهاج رحمه الله يخدم جميع عجائز الحارة وشيوخها العاجزين ويشترى لهم الحوائج من السوق، وربما سأله إنسان في حاجة فيترك التدريس ويقوم لحاجة ذلك السائل. وسألته عجوز مرة يشترى لها زيتا من السوق فقام من الدرس، فقالوا له تترك الدرس لأجل عجوز؟ فقال: نعم حاجتها مقدمة عليكم، وكان أكثر ما يخرج لحوائج عجائز حارته حافيا ويقول الأصل في الأرض الطهارة، وكان يخرج في الليلة المطيرة مشدود الوسط ويقول: من له حاجة بنار أجئ بها له من الفرن، فيطوف على عجائز الحارة واحدا واحدا رضي الله عنه، وقال للشيخ فخر الدين المقدسي والجوجري يوما حين قالوا له: كيف تقدم شراء زيت حار أو مجيئك بالنار على تدريسنا العلم؟ فقال لهما: المدار على إدخال السرور والمحتاج يحصل له بقضاء حاجته من السرور أكثر مما يحصل لكما بتعليمكما العلم، هكذا حكى لي الحاج جلال الدين بزددار الجوالي، وكان قد صحب الشيخ جلال الدين سنين كثيرة، قال: ورأيته مرة يخبز لعجوز فقلت له في ذلك، فقال: قطعنا عمرنا في الاشتغال بالعلم والآفات فيه كثيرة قل من ينجو منها وما رؤى أحد من العلماء بعد موته، فقال غفر لي بعلمي أبدا إلا قليلا لما فيه من الآفات بخلاف مثل هذه الحوائج فربما يغفر لنا بها. والله تعالى أعلم.
وسمعت سيدي محمد بن عنان يقول: عندي أن النقيب الواقف في حوائج فقراء الزاوية أكثر أجرا من المقيمين العاكفين على القراءة والذكر والعبادة لأنه لولا سعيه عليهم لم يقدر أحد منهم على الجلوس لتلك العبادة بل كان يخرج يسعى على الرغيف قهرا عليه.
وكان سيدي خضر الذي كفلني يتيما يخرجني في المطر ويعطيني جفنة، ويقول: املأها