ما وضعه نقيبك هنا إلا لعلمه بقلة اعتنائك بمثل ذلك، فإنك لو أدبته وعلمته الأدب مع الله تعالى لم يقع منه مثل ذلك ثم أنشد:
ومن ربط الكلب العقور ببابه * فكل أذى للناس من رابط الكلب وكان كنس المساجد المهجورة بمصر من وظائف سيدي علي الخواص، فكان يكنسها ويكنس أسطحتها ومجاري ميضأتها وكراسي أخليتها، وكان يتفقدها يوم الخميس ويوم الجمعة، فيخرج في صلاة الصبح فلا يرجع إلا بعد المغرب احتسابا لله تعالى، وكذلك كان من وظيفته كنس مقياس الروضة بمصر، كان يكنسه ثاني يوم نزول النقطة ويكنس الطين الذي في سلمه ويجرده بالحديد ويحمل منه قفة عظيمة يفرقها على خوابي الماء على نية التبرك، وكان عليه سؤال الله تعالى في اطلاعه النيل كل سنة، فكان يكون في ليلة تنزل النقطة كأنه حامل حملا عظيما على ظهره حتى يوفى البحر وتنقطع جسوره فيتحول لحملة ري البلاد، فإذا رويت تحول لحملة كمال الزرع وختامه من غير آفات تلحقه فلا يزال كذلك حتى يحصد الزرع وكان من دعائه: اللهم من علينا وعلى الأنعام بختام الزرع ولا تعذبنا بغلائه. فإذا طلع القمح وغيره إلى الحواصل تحول لعدم تسويسه فلا يزال كذلك إلى نزول النقطة هكذا كان شأنه على الدوام، ويقول: الملوك فمن دونهم محتاجون إلى اللقمة وإلى التبن لهم ولبهائمهم، وما زاد على ذلك من الشهوات أمره سهل. رضي الله تعالى عنه، فإياك يا أخي وتقذير المساجد ثم إياك، والله يتولى هداك.
روى الشيخان: " " أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أي تكنسه، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام فقيل له إنها ماتت فقال:
فهلا آذنتموني فأتى قبرها فصلى عليها " ".
وفي رواية لابن ماجة: " " أنها كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد " ".
وفي رواية للطبراني: " " أنها كانت تلتقط القذى من المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني رأيتها في الجنة بلقطها القذى من المسجد " ".
وروى أبو الشيخ الأصفهاني: " " أنها أجابت النبي صلى الله عليه وسلم من القبر لما صلى عليها وسألها ما وجدت من العمل أفضل؟ فقالت: وجدت أفضل الأعمال قم المساجد " ".