وإنما قال ذلك لأجل أن أمته يريحون نفوسهم من التعب في الذهاب إلى نبي بعد نبي يوم القيامة كغيرهم من الأمم ويأتونه أولا، فما ذهب إلى غيره وتعب إلا من لم يبلغه هذا الحديث أو بلغه ونسيه.
ومعلوم أن المريد غارق في حكم الطبيعة لا يقدر على تزكية نفسه إلا ليمدح بذلك عند الناس فافهم، وما أمرنا الشارع بزيارة بعضنا بعضا إلا خالصا مخلصا لوجه الله لا نريد من الخلق جزاء ولا شكورا.
وسمعت سيدي الشيخ أبا السعود الجارحي يقول: إذا زار أحدكم أميرا فليسأله الدعاء فإن الله تعالى يستحيي من الأكابر في هذه الدار أن يرد لهم دعوة يسألونه فيها، فلا تتوقف يا أخي في ذلك، وإن من فضله سبحانه وتعالى أنه يجيب دعاء ملوك الكفار إذا سألهم قومهم حاجة فضلا عن ولاة المسلمين، كما وقع لفرعون في طلوع النيل حين توقف وقال:
يا رب لا تفضحني بين قومي. وتأويل ذلك أن سؤال الأمير لربه في الأمور الدنيوية أقرب من دعاء الصالح إذ الأمير همته متوفرة إلى الدنيا بخلاف الصالح، فإذا سأل أحدنا الأمير المحب للدنيا في حاجة يتوجه بكليته إلى قضاء تلك الحاجة الدنيوية الفانية التي لا تسوى جناح بعوضة فيعطيها الله لذلك المدعو له، لأن حضرة وجوده واسعة وجوده فياض لا يرد سائلا يسأل شيئا نفيسا أو خسيسا بخلاف الصالح ليس له همة متوجهة إلى تحصيل شئ من أمور هذه الدار إلا ما لا بد له منه، ومعظم همته أن الله تعالى يؤخر تلك الحاجة للدار الآخرة التي هي دار البقاء.
وقد ورد: إن من الناس من يندم في الآخرة على كل حاجة قضيت له في دار الدنيا لما أعد الله، ولما ينظر من الثواب الجزيل لأهل البؤس في دار الدنيا حتى يقال لأحدهم إذا غمس في النعيم: هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا يا رب.
وسمعت سيدي محمد بن عنان رحمه الله يقول: بلغنا عن الإمام أحمد أن السلف كانوا إذا اجتمع أحدهم بأخيه لا يفترقان إلا على قراءة سورة * (والعصر إن الإنسان لفي خسر) * إلى آخرها فينبغي المواظبة على ذلك.
وكان سيدي محمد بن عنان إذا زاره أحد لا يدعه يذهب حتى يقدم له طعاما، فإن لم