وروى الطبراني والأصفهاني مرفوعا: " " إن الله تبارك وتعالى بعث جبريل إلى إبراهيم عليهما السلام فقال: يا إبراهيم إني لم أتخذك خليلا على أنك أعبد عبادي لي ولكن اطلعت على قلوب المؤمنين فلم أجد قلبا أسخى من قلبك " ".
وروى ابن أبي الدنيا والأصبهاني وأبو الشيخ مرفوعا:
" " تجافوا عن ذنب السخي فإن الله تعالى آخذ بيده كلما عثر " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نقضي حوائج المسلمين وندخل عليهم السرور، ولا نقبل على ذلك هدية منهم على قاعدة أن فعل الطاعات بالأصالة إنما هو للثواب الأخروي، وما فاز بذلك إلا العارفون الذين يفعلون الأوامر الشرعية، امتثالا لأمر الله دون الأجر الأخروي، وأما غيرهم فهو بارك في وحلة الثواب لا ينفك، وقد جربنا أن كل من قبل عوضا على شفاعة شفعها عند حاكم فهو خارج عن الطريق، ثم تنقطع الوصلة بينه وبين الحق فيرد الحاكم شفاعته ولا يصير له عندهم حرمة، كما لا حرمة لأحد من أهل الدنيا عندهم بخلاف من هو قائم لله تعالى.
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول: إذا جاء المشفوع له بهدية للشافع فليردها عليه، فإن لم يقبلها وقال خرجت عنها للفقراء فليأخذها الشافع ويفرقها على الفقراء والمساكين لا سيما إن كان ظالما أو من أعوان الظلمة، وهذا الورع قد صار اليوم قليلا في الفقراء فصار حكمهم حكم البزددار عند الظلمة يعمل لهم المصالح التي هي مفاسد.
فاقض يا أخي حوائج المسلمين لله تعالى وإن طلبت على ذلك أجرا فاطلبه من الله على سبيل إظهار الفاقة وإنه لا غنى لك عن فضله، وإياك وقبول الهدية على ذلك لا سيما من النساء والفقراء من الدنيا.
وقد رأيت مرة شخصا من مشايخ العصر يشفع عند الحكام بجعالة مثل الرسل عند الظلمة فدخلت امرأة عجوز حبس الوالي ولدها، فقالت: يا سيدي الشيخ اشفع لي في ولدي، فقال لها: ما معك للفقراء؟ فقالت: سبعة أنصاف وعثماني بعت بها غزلي اليوم، فقال: هذه ما تكفى، فلا زال يشدد عليها حتى جاءته بربعة غزل أخرى فأخذها فأعطاها للنقيب وأخذ الفلوس لنفسه، هذا أمر شهدته منه مع أنه بنى له مقصورة وجعل له سترا وتابوتا فكل ذلك لعدم الفطام على يد شيخ ناصح.