صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة، إلا قال الله تعالى يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا، سبحني وهللني وكبرني وعظمني وعرفني وأثنى علي وصلى على نبي؟ اشهدوا يا ملائكتي أني غفرت له وشفعته في نفسه ولو سألني عبدي هذا شفعته في أهل الموقف " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نأتي بالمناسك كلها كما وردت، فنقدم ما قدم صلى الله عليه وسلم ونؤخر ما أخر، ولو خيرنا صلى الله عليه وسلم اخترنا الكيفية التي فعلها هو في حجة الوداع، وهي معروفة عندنا في كتب الأدلة، سواء عقلنا الحكمة في التقديم أم لم نعقلها. فلا يقال لأي شئ إذا دخل الحجاج مكة طافوا بالبيت ثم يرجعون إلى عرفات التي هي طرف الحرم ثم يرجعون ثانيا، لأنا نقول إنما نفعل ذلك اقتداء بأبينا آدم عليه السلام لما حج من الهند، فكان اقتداؤنا به في الخروج من الحرم إلى خارجه ثم دخولنا ثانيا أولى، مع أن العقل يقتضي بأن من وصل إلى حضرة الملك من أي طريق كان، لا معنى لخروجه، ثم دخوله ثانيا، لأن الكعبة هي المقصود الأعظم، مع أنا لم نعقل ذلك إلا بأمر الشارع لا بعقولنا، فحكمنا حكم ما إذا كان في حضرة الملك جماعة ثم أرسل لهم الملك أن اخرجوا إلى حاجة كذا وكذا، فإن من الأدب ذهابهم إلى تلك الحاجة، فلو تخلفوا في الحضرة عصوا. وأيضا فإن من يأتي حضرات الملوك من غير طرقها المعتادة لا يحصل له من العلم ما يحصل لمن سلك الطريق التي دخل منها الأنبياء والأولياء.
ولكن لا يخفى أن من رحمة الله تعالى وشفقته على عباده أنه أذن لهم أن يدخلوا مكة قبل الوقوف لما علم عندهم من شدة الشوق ليحصل لهم التبريد لبعض أشواقهم، لا من كلها، إذ الحق تعالى لا يبدي لهم ما يطيقونه من عظمته ويخلع لهم الخلع إلا إن وقفوا بعرفة أولا ثم بالمزدلفة ثانيا ثم بمنى ثالثا، فلا يزال العبد يقرب من مكة وهو يزداد تعظيما لله تعالى حتى يدخل مكة والحرم، فهناك يعرف كل أحد ربه بقدر مقامه، فربما يكون أعلى مقام لنا في التعظيم يستغفر منه قوم آخرون.
وممن حجب عما قلنا الشيخ محي الدين بن العربي رضي الله عنه مع وسع اطلاعه، فقال الذي أقول به لا يجب على المعتمر الخروج لأدنى الحل ليحرم بالعمرة، لأنه قد وصل إلى الحضرة التي هي محل القرب ولا معنى للخروج.