خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا إليه فقال: " " لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا " ".
قلت: وفي حديث أنس أنه قال لم يكن أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنا لا نقوم له إذا مر علينا لما نعلم منه من كراهيته لذلك. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نتهاون برد السلام من غير لفظ بل نتلفظ به حتى نسمع من سلم علينا إلا أن يكون بعيدا منا فترد بالإشارة باليد أو بالرأس مع اللفظ، وهذا العهد قد غلب على أرباب الدولة الإخلال بالعمل به فلا تكاد تسمع من أحدهم لفظ السلام، وإنما يسلمون ويردون بالإشارة بالرأس، بل بعضهم يركع جملة واحدة.
وأعلم أن السلام أمان، فكان المسلم يؤمن أخاه بقوله السلام عليكم ويؤمنه الآخر بقوله وعليكم السلام وأصل مشروعية السلام إنما هو على الذين يخافون من بعضهم بعضا ويتسلطون على بعضهم بالقتل وأخذ المال وإفساد الحريم ونحو ذلك، وأما نحو الملوك فهم في أمان من آحاد الرعية وقولنا لهم السلام عليكم معناه أنتم في أمان منا أن نخالف أمركم ونخرج عن طاعتكم، وكذلك السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم معناه أنت في أمان منا يا رسول الله أن نخالف شريعتك فيحصل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طمأنينة القلب على ذلك الذي سلم عليه أن يقع في معصية الله عز وجل، وذلك لكمال وفور شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، وكذلك يحصل للملوك ومن والاهم طمأنينة القلب بانقياد رعيتهم لهم وعدم الخروج عليهم هذا أصل مشروعيته، وقد فهم هذا الذي ذكرناه ومشروعيته بعض حاشية الملوك فجعلوا التحية بانخفاض الرؤوس وانحناء الظهور، وقالوا الملوك في أمان من مثلنا أن نؤذيهم حتى نؤمنهم وما فهموا كمال الأمر ولا السر الذي ذكرناه.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول: إذا مررت على عدوك فسلم عليه واجهر به جهرا قويا حتى إنك تكاد تشق قلبه بالصوت، ولكن بشرط أن تعلم منه أن يرد عليك السلام، فإن لم تعلم أن يرد عليك لغلبة النفس عليه فارحمه بعدم السلام لئلا تعرضه للمعصية بعدم رده السلام.