آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت عشرا، غفر له كل ذنب يستخوفه ولم ينبغ لذنب أن يدركه إلى مثلها " ". والله تعالى أعلم. [ولم ينبغ لذنب أن يدركه: أي لم ينبغ لذنب من تلك الذنوب التي غفرت... دار الحديث] (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نستعد لقيام الليل بالزهد في الدنيا وشهواتها، وعدم الشبع من حلالها. ومن هنا صحت المواظبة من الصالحين على قيام الليل ومهاجرة غيرهم، وما رأت عيني من نساء عصر أكثر مواظبة على قيام الليل من زوجتي أم عبد الرحمن، فربما صلت خلفي وهي حبلى على وجه الولادة بنصف القرآن، وهذا عزيز جدا وقوعه من الرجال على وجه الإخلاص فضلا عن النساء.
وقد صلى خلفي مرة سلامة السند بصطي، فقرأت به من أول سورة البقرة إلى سورة المزمل في الركعة الأولى فخر نائما ولم يشعر بنفسه، هذا مع صحة جسمه وقلة تعبه في النهار، فرضي الله عن أم عبد الرحمن ما أعلى همتها حيث علت على همة الرجال، وإنما جعلن الزهد في الدنيا معينا على قيام الليل لما ورد في الحديث " " الزهد في الدنيا يريح القلب والجسد " " ومفهومه أن الرغبة في الدنيا تتعب القلب والجسد فإذا دخل الليل نزل الراغب في الدنيا إلى الأرض محلولة أعضاؤه فنام كالميت بخلاف الزاهد في الدنيا ينام وأعضاؤه مستريحة فيقوم بسرعة وإذا نام كأنه مستيقظ فاعلم أنه من طلب قيام الليل مع ترجيحه الذهب على الزبل فقد رام المحال وإن تكلف ذلك لا يدوم وإن دام فهو في حجاب لا يكاد يتلذذ بمناجاة الحق، ولا يذوق لها طعما ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يخرجه عن حب الدنيا شيئا فشيئا، حتى لا يبقى له هم دون الله تعالى ولا عائق يعوقه، فإن حكم الشيخ في سلوكه بالمريد وترقيه في الأعمال حكم من يمر بالمريد على جبال الفلوس الجدد، فإذا زهد فيها سلك به على جبال الفضة، فإذا زهد فيها سلك به حتى يمر على جبال الذهب ثم الجواهر، فإذا زهد فيهما مر به إلى حضرة الله تعالى فأوقفه بين يديه من غير حجاب، فإذا ذاق ما فيه أهل تلك الحضرة زهد في نعيم أهل الدنيا والآخرة وهناك لا يقدم على الوقوف بين يدي الله شيئا أبدا، وأما بغير شيخ فلا يعرف أحد يخرج من ورطات الدنيا، ولو كان من أعلم الناس بالنقول في سائر العلوم.