(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نعين من يقيم الحدود على إقامتها ومن يؤدب ولده أو تلميذه على تأديبه ولا نعارضه في ذلك ولا نداهن فيه مساعدة على إقامة شعار الدين، وتطهيرا للمحدودين والمجلودين للتأديب، ومن سعى في عدم جلدهم أو حدهم فقد غشهم وآذاهم في دينهم بإبقاء دنسهم ونجاستهم، فهو يزعم أنه يحبهم وفعله فعل من يكرههم.
فإياك يا أخي أن تشفع فيمن وقع فيما يوجب الحد من شرب الخمر وقذف عرض أو ما يوجب التأديب من سفه صغير على كبير، أو طفل على أمه وأبيه، أو تلميذ على شيخه فإن ذلك غش له، بل ساعده على تطهيره ما أمكن، وإن تكدر منك في الدنيا أو في الصغر فسوف يشكرك على ذلك في الآخرة أو عند بلوغ درجة الرجال في الطريق، ويقول جزاك الله عني خيرا، وينبغي للمؤدب أن يفتش نفسه عند ضرب التأديب فربما يكون عنده من الطفل نفس من جهة شكوى زوجته مثلا، لقلة قضائه حاجتها ونحو ذلك فتحرش عليه والفقيه في الغالب كثير السماع لزوجته فيجعل ذلك طوخا في مليج ويبتكر له ذنبا ويمسك عليه الغلطة ثم يضربه موهما للناس أن ذلك الضرب للتأديب وإنما هو لتحريش امرأة الفقيه.
وقد قال لي الشيخ نور الدين الجارحي وكان من أهل العلم الكبار: يا ولدي قد أحسست بعقلي نقص، فقلت له: من أي شئ؟ فقال: أنا بالنهار مجالس للأطفال، وبالليل مخالط للنساء فسرق طبعي منهم. فليحذر الفقيه من ذلك. وأما شيخ الطريق إذا أدب مريدا فلا ينبغي أن يقال له فتش نفسك في ذلك لأن الأشياخ قد خرجوا عن حضرات التلبيس والتشفي للنفوس، إنما يؤدبون التلميذ محض شفقة ورحمة كضرب الأم ولدها ونخسها له بالإبرة حتى يخرج الدم فلا يحملها أحد إلا على محض التأديب، وكذلك الشيخ وكل مريد نسب شيخه في تأديب تلميذه إلى أمر نفساني فقد نقض عهده ووجب تجديد العهد، فإن لم يرض الشيخ عليه فليظهر له التشويش الكامل ولا يأكل ولا يشرب حتى يرضى عنه الشيخ، ولا ينبغي له أن يسوق أحدا على الشيخ حتى أنه يأخذ عليه العهد، فإن ذلك لا يدخل في أفعال أهل الطريق، إنما السياق في الأمور الدنيوية، والشيخ إنما يغضب لمصلحة المريد لا لمصلحة نفسه، فلو أنه رأى كسر نفس المريد بلغت الغاية لدعاه إليه وأظهر له الرضا من غير سياق، فاعلم ذلك والله يتولى هداك.