عليه وسلم فقدم إليهم خبزا وخلا وقال: كلوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " " نعم الإدام الخل " " فإنه هلاك بالرجل أن يدخل عليه النفر إخوانه أن يحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم، وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم. قال الحافظ وقوله " نعم الإدام الخل " في الصحيح، وقوله " إنه هلاك بالرجل... الخ " لعله من كلام جابر، أدرجه في الحديث وليس بمرفوع. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نبخل ولا نشح على أحد من المسلمين إذا سألنا شيئا ونحن في غنية عنه، بل نعطيه له تخلقا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده، وهذا العهد لا يعمل به إلا من سلك على يد شيخ ناصح، وخلص من محبة الدنيا وشهواتها، وإلا فمن لازمه البخل والشح كما عليه طائفة المتعبدين والمتفقهين الذين لم يدخلوا طريق القوم. وإيضاح ذلك أن أصل الإنسان فقير بالذات وما فتح عينه في هذا الدار إلا وهو فقير ليس له ثياب ولا له متاع فكان من شأنه أن يأخذ ولا يعطي إلى أن يموت، فلما ذم الله تعالى البخل والشح أنف أهل الله عز وجل أن يقفوا في مقام يذمه الله تعالى فيه فلذلك طلبوا أن يزيل أمراضهم ويبطل موانعهم حتى يدخلوا حضرات الجود والكرم فمنهم من ظفر بشيخ ناصح أوصله إلى ذلك المقام، ومنهم من لم يظفر.
وكان سيدي الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول: لا بد للفقير من رمي الدنيا من يده ثم من قلبه قبل سلوك الطريق، ومحال أن يقدر أحد على إدخال فقير حضرة الله عز وجل ومعه علاقة دنيوية، إذ جميع أهل حضرة الله عز وجل مطهرون من محبة الدنيا وشهواتها، لأنهم أنبياء وأولياء وملائكة، ولا أحد من هؤلاء يحب الدنيا لغرض فاسد، وإنما يحبها لله عز وجل بالإجماع، وكان يقول في تفسير قوله تعالى:
* (وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي) *.
بلسان الإشارة المعروفة بين القوم يقال للولي وما تلك بيمينك أيها الولي فيقول هي دنياي أنفق منها على نفسي وأهلي وإخواني، فيقال له ألقها فيلقيها فيجدها حية تسعى في هلاك قابضها فيأخذ حذره منها، فإذا حذر منها يقال له * (خذها ولا تخف) * فكما ألقاها أولا بإذن حال بدايته، فكذلك أخذها بإذن حال نهايته، وهذا الأخذ الثاني متعين على كل شيخ داع إلى الله تعالى ليحمل كلفته عن المريدين ويرتفع عندهم