نفوسهم كالوكيل الذي عين له المالك جماعة يعطيهم وجماعة يمنعهم فليس له تعدى مراسم المالك الحقيقي أبدا فهم يودون أن يقسم على يدهم شئ لذلك الممنوع فلم يجبهم الحق تعالى لذلك لما سبق في علمه، وقد قالوا: أقبح من كل قبيح صوفي شحيح أي يشح على الناس بحكم الطبع والجبلة لا بحكم الكشف وعدم القسمة.
وقد أخبرني شيخنا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى أنه قدم هو وجماعة على سيدي إبراهيم المتبولي ببركة الحاج فأبطأ عليهم بالضيافة، قال: ثم خرج إلينا فقال: ما بقي شيخ في هذا الزمان إلا اللقمة، فإن كان عندنا مدد فهو في لقمتنا، ثم شق لنا بطيخة وصار يفرق علينا من غير ترتيب السنة فأراد بعض أصحابي أن يعترض عليه، فقلت له الأدب ولكن ورخوا هذه الواقعة فورخناها فكانت تفرقته على ترتيب الأعمار فالذي أعطاه أولا مات أولا والذي أعطاه ثانيا مات ثانيا وكنا اثني عشر نفسا، فلم يتقدم متأخر على متقدم أخذ الشقة قبله، ثم قال: يا ولدي الاعتقاد ربح والإنكار خسران رضى الله تعالى عنه.
وسمعت أخي أفضل الدين يقول: إياك أن تضيف إنسانا ويخطر في بالك المقابلة إذا وردت أنت الآخر عليه بل أطعمه لوجه الله لا تريد منه جزاء ولا شكورا، ومتى خطر في بالك أنه يقابلك إذا وردت عليه فلست مخلصا بل لأنت مراء والمرائي أجره حابط من أصله، قال وهذا هو حال غالب الناس اليوم، فإن علمت ذلك يا ولدي من إنسان فلا تأكل له طعاما لا سيما الفلاحون، فإن أحدهم لا يتكلف لمن ورد عليه إلا على نية طلب العوض لعجزهم عن بلوغ مقام الإخلاص وإن شككت فجرب.
قلت: وقد سافرت مرة إلى سيدي أحمد البدوي أزوره فعزم على شخص وذبح لي شاة وجمع أهل بلده عليها، فحصل لي منها عضة من ذنبها من غير زيادة فما رجعت مصر ومكثت نحو سبعة أيام إلا وهو داخل إلي ومعه سبعة عشر نفسا، وكنت متجردا من الدنيا لا أقبل من أحد شيئا مطلقا، وليس لي حرفة، فأرسلت السوق وجئت لكل واحد برغيف وشقفة ملح، فلما وضعتها بينهم صاروا يوبخون صاحب العنز ويقولون هذا صاحبك ثم غضبوا وخرجوا من غير أكل إلى وقتنا هذا فاعلم ذلك.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إذا استضفت إنسانا فقال لك بعد يوم أو يومين أو ثلاثة دستور أروح فإني أخاف أن أكون شققت عليكم فلا تأكل له طعاما