والعمل بها قليل لا سيما قرى الأمراء فلا تكاد ترى لهم رغيفا إلا في النادر وكان الأولى لهم إحياء هذه السنة التي اندرست ويقرون كل وارد عليهم حسب الطاقة، لأن حامل العلم والقرآن من نواب النبي صلى الله عليه وسلم وصغيرته كبيرة فينبغي لكل عالم أن يدعو طلبته إلى طعامه كلما قرؤوا عليه ولو رغيفا يفرقه عليهم.
وقد قلت مرة لطالب علم ورد علي فغذيته: لا تؤاخذنا بالتقصير فإن طعامنا قليل الدسم ما هو مثل طعام شيخك، فقال لي: أنا ما رأيت له طعاما إلى وقتي هذا، مع أنه أجازه بالفتوى والتدريس.
واختلف الناس مرة في هلال رمضان فقال الناس: انظروا العلماء هل هم صائمون فصوموا؟ فقال شخص عن شيخه إنه تغدى هو وأنا في هذا اليوم، فقال له طالب آخر هذا من علامة كذبك، فإن شيخنا ما رأيناه قط يأكل مع أحد، ثم قال لي: يقولون في أفواه الناس ثلاثة لا ترى لهم أجنحة الفرس ورجل الثعبان وخبز الفقيه، فقلت له: ثم من العلماء من قلبه عاكف في حضرة الاسم المانع فلا يقدر على أن يطعم أحدا إلا إن خرج من حضرته إلى حضرة الاسم الكريم والمعطى وأجبت عن شيخه فلم يصغ إلي وقال: لا أقدر على قلبي يميل إلى من لا يطعمني مثل من يطعمني أبدا، فقلت له: هل هذا الذي منعكه كان رزقك وحال بينك وبينه، أم ليس هو رزقك؟ فقال: ليس هو رزقي وقولك صحيح ولكن الله قد ذم البخيل، مع أنه لم يقسم على يديه رزقا لأحد، فقلت له: للحق تعالى أن يذم عبده، وأما نحن فليس لنا الاشتغال بذم الخلق خوفا من وقوعنا في غيبتهم، ورجوعنا في أمرهم إلى القسمة الأزلية فيه رائحة عذر لهم وأسلم لديننا، فعلم أن الكريم جعل الله تعالى أرزاق الخلائق على يديه ومدحه فضلا منه، والبخيل لم يجعل لأحد على يديه رزقا وذمه عدلا منه فما أطعم كريم قط أحدا من رزقه هو وإنما أطعمهما قسمه الحق تعالى لذلك الآخذ، ولو أراد أن يمنعه لما قدر، وليتأمل الإنسان في نفسه يطبخ الدست الطعام الكبير في داره ويتعب في تحصيله ولا يقسم له منه لقمة ويأتي الضيف فيأكل منه، فالمنة لله تعالى الذي خلق وقسم والعبد كالقناة الجاري منها الماء أو كالدست أو كالمغرفة فمن مدح القناة أو الدست أو المغرفة في المجالس ونسي الله فهو أخرف العقل.
فإياك يا أخي أن تطلق لسانك فيمن وردت عليه فلم يطعمك شيئا لا سيما الأولياء المكملون من أصحاب الكشف فإنهم ما منعوك عن بخل وإنما لكونك لم يقسم لك شئ على يدهم لكونهم خرجوا عن شهود الملك لشئ من الكون دون الله ويرون