ولما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة سمع جيرانه بكاء وعويلا في داره فسألوه عن ذلك، فقالوا إن عمر قد خير زوجاته وسراريه بين الإقامة عنده من غير مسيس إلى أن يموت، وبين أن يعتقهن أو يطلقهن؟ وقال قد جاءني أمر شغلني عنكن فلا أقدر ألتفت إلى واحدة منكن حتى أفرغ من الحساب يوم القيامة رضي الله عنه.
وبلغنا أنه كان لا ينام ليلا ولا نهارا إلا بعض خفقات وهو جالس ويقول: إن نمت في الليل ضيعت نفسي، وإن نمت في النهار ضيعت حقوق الرعية.
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول: يحاسب المؤمن الذي لم يتول ولاية عن نفسه في يوم كان مقداره قدر وقت صلاة يصليها، ويحاسب من تولى ولاية عن نفسه وعن جميع رعيته ويسأل عن جميع رعيته ويسأل عن جميع حقوقهم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فمن قام بواجب حق ولايته كان إبليس له بالمرصاد، فيدخل عليه الأمور التي يتقلق منها حتى يكاد يجزم بأنه يعزل نفسه من تلك الولاية، وذلك مجرب لتحويل النعم والعزلة من تلك الولاية، ثم إذا عزل يحرك الله تعالى عنده الندم عليها فيطلبها ويعسرها عليه حتى يقهره ويصير كالولي الذي سلب.
وقد وقع لبعض إخواننا أنه تقلق من كثرة الواردين عليه ومؤونتهم فقلت له:
إن الناس يتمنون إن يكونوا موضعك في النعمة ويصبرون على ضيافة الناس وقضاء حوائجهم، قال: اخترت أن أدخل مصر وأسكن في بيت من غير زاوية ولا مريدين، ففي تلك الجمعة قيض الله تعالى له من زوار له مكاتيب، وادعى أن تلك الرزقه الموقوفة على سماط الفقراء الواردين والمقيمين له، وصار شيخ الزاوية يبرطل الحكام على رجوعها فلم يجيبوه إلى وقتنا هذا، فذكرته بقوله فاستغفر.
فاصبر يا أخي على رعيتك كلما ملت نفسك منهم، واعذر كل من فر من ولايته في هذا الزمان المبارك، ولا تسخر به تبتل بنظير ذلك.
وقد حكى لي الأمير محيي الدين بن أبي أصبغ أحد أركان الدولة بمصر: أن شخصا كان له جار من القضاة سئ الخلق، وكان يخرج خلقه على الأخصام، فكان جاره يبالغ في الإنكار عليه يقول: إيش هذا الخلق، وكان لذلك القاضي بيت فوق مجلس حكمه فلما أكثر عليه جاره من الإنكار، قال له: احكم يا أخي مكاني غدا، لأني أنا عازم على شرب الدواء فقال نعم، فجاءه خصم ادعى على خصمه أن له عنده مائة دينار، فقال: