وسمعته مرة أخرى يقول: من رضي عن الله بالقليل من الدنيا رضي الحق منه بالقليل من العمل.
وقد أجمع أشياخ الطريق على أن كل مريد وجد الخبز فقال " " آكل خبزي بإيش؟ " " لا يجئ منه شئ في الطريق.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به إلى الحضرات التي يعلم منها العبد ما لله تعالى عليه من الحقوق حتى يصير يرى لله المنة عليه الذي لم يخسف به الأرض فضلا عن تسخير الأرزاق التي تهواها نفسه، فإن حكم أمثالنا في تعدية حدود الله تعالى كحكم العبد الذي فسق في حريم سيده ودخل سيده عليه وهو يفعل الفاحشة في زوجته، فهل يقدر مثل هذا إذا دفع له سيده رغيفا حافا يابسا أن يرده عليه ويقول ما آكل إلا بأدم من لحم وعسل أو جبن ونحو ذلك، لا والله لا يستحق الخبز اليابس، ولا يقدر سيده على نفسه أن ينظر إليه فضلا عن كونه يطعمه، هذا حكم أمثالنا مع الحق وهو معنى قوله تعالى:
* (ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم) *.
فكم وقع العبد في الزنا؟؟ إماء؟؟ الله وهو تعالى يراه، وكم سرق، أو كم سكر وكم نظر إلى ما لا يحل، وكم أكل حراما، وكم استغاب إنسانا، وكم قذف أعراضا، وكم شهد لأصحابه زوارا وكم قطع رحما، وكم عق والدا، وكم أكل مال يتيم، وربما اجتمعت هذه الصفات كلها في عبد فمثل هذا إنما يستحق النار.
وفي البخاري أن رجلا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس حلة وتبختر فيها فخسف الله به في زقاق أبي لهب فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة وهذه الصفات أقبح من التبختر بيقين، فهي أحق بأن يخسف بصاحبها، وإذا علمت ذلك فلا ينبغي لمن جعل نفسه قدوة أن يطبخ ألوان الطعام في هذا الزمان لقلة وجود ذلك من وجه حلال، بل رأيت بعضهم له عمامة صوف وجبة صوف وله سراري وزوجات لا تصلح إلا للأمراء ويطبخ ألوان الطعام أكثر من بعض أركان الدولة، فنظرت في أمره فإذا هو يأخذ هدايا الظلمة وصدقاتهم على اسم الفقراء ويتزوج بها ويتسرى ولا يعطي الفقراء شيئا فمثل هذا شيخه إنما هو إبليس.