والإنسان إنما يزرع في أرض تنبت الزرع ومن بذر في السباخ [أي الأراضي المالحة. دار الحديث] فهو قليل العقل وغاب عني أن الله تعالى ما طلب مني إلجاءهم إلى امتثال أمره، وإنما طلب مني ما طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
* (إن عليك إلا البلاغ) *.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من وفور شفقته يود أن لو دخل الناس كلهم الجنة، فقال الله تعالى له:
* (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) *. وقال تعالى:
* (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين) *.
فكل داع إلى الله تعالى لا بد أن يقع له كما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وراثة محمدية، فيحجبه الله تعالى عن شهود انقسام أهل القبضتين إلى شقي وسعيد، وعن كون ذلك حتما لا بد منه فلذلك يضيق صدر الداعي إذا عصوا أمره. فيحتاج الداعي إلى الله إلى مراقبة شديدة على الدوام عرفا لأنهم قالوا مراقبة الله على الدوام من غير تخلل فترة ليس من مقدور البشر، فافهم.
وقد قال لي مرة شخص من حذاق المريدين المقيمين عندي: لولا كثرة مخالفتنا لك ما عظم الله أجرك، فأنت مأجور على كل حال إن أطعناك أو عصيناك، فلك الأجر من الجهتين، فالله تعالى يزيده توفيقا كما أيدني آمين، فإنه نبهني على أن ذوق الأمور ليس هو كالسماع بها وثبتني حين تزلزلت وقد ثبت الله تعالى الرسل بما قصه عن بعضهم فقال:
* (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) *. وقال: * (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) *. وقال: * (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت) *.
وكل داع إلى الله تعالى على قدم رسول من الرسل، وكل من جاءه بلاء فوق طاقته احتاج ضرورة والله هو المصبر له إن صبر، فلا يوجد أحد أتعب قلبا ولا بدنا ممن يتولى أمور المسلمين لغلبة وقوع الملل منه وعدم تحمله ذم رعيته له لا سيما نظار المساجد، فإن جميع المستحقين يؤذونهم بلسانهم ويشكونهم للحكام ويحملونهم على المحامل السيئة وأنهم يأكلون مال الوقف.