تعالى حتى يفرق بين الأوامر والنواهي، فيعتني بالتوبة من ترك الواجب أكثر من توبته من ترك السنن، ويندم في فعله للكبائر أكثر من ندمه عند فعله الصغائر، ويندم في فعله للصغائر أكثر من ندمه في فعل المكروهات، ويندم في فعله المكروهات أكثر من ندمه في فعل خلاف الأولى لأننا تابعون لا مشرعون، أي فإن الشارع فاوت بين المأمورات والمنهيات، فمن الأدب أن نفاوت بينها في المرتبة ولا نجعلها كلها واحدا، فيحمل كلام سيدي محمد بن عنان على أحوال المريدين، وكلام سيدي علي على أحوال العارفين، لأن المريد في مقام الزجر والتنفير والترغيب، والعارف في مقام التحقيق لبعد مقامه عن الاستهانة بفعل مأمور أو ترك منهي بخلاف المريد، ولذلك رأى الأشياخ للمريد أن رمى ما بيده من الدنيا في البحر أقوى في استعداده من التصدق به شرط أن يضمنوا له في نفوسهم رجوع ذلك المال إليه إذا خلص من ورطة محبته للدنيا كما وقع لسيدي مدين وغيره، فأرادوا حسم مادة إمساك الدنيا وإخراج حبها من قلبه ويده ثم إذا كمل حاله أمر بإمساكها وإنفاقها في مصارفها الشرعية، وحرموا عليه إتلافها أو رميها في مضيعة أدبا مع الله تعالى، فافهم.
واللسان يقصر عن البيان لمن لم يسلك الطريق إذ من لازمه استشكال الأحكام بعضها بعضا، ولو أنه سلك الطريق لم يجد حديثا ولا أثرا ولا قولا للأئمة يناقض آخر، بل كل واحد محمول على مقام يليق به، فإن الشارع يجل مقامه عن وجود التناقض في كلامه، لأنه كان يخاطب كل جليس بما يناسبه، كما يعرف ذلك من تصفح الشريعة.
* (والله غفور رحيم) *.
روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال:
" " إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة " ".
وقال في رواية مسلم أيضا: " " إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة " ".
وفي رواية لمسلم مرفوعا: " " إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شئ من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها " ".