وفي رواية أخرى له مرفوعا: " " إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أيتهن البركة " ".
وروى الشيخان وأبو داود وابن ماجة مرفوعا: " " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح أصابعه حتى يلعقها " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، وبعد كل نعمة إظهارا للاعتراف بالنعم، ولتدوم علينا، فمن أكل وانصرف، غافلا عن الحمد فهو كالبهائم، وربما عوقب بزوال النعم وقساوة قلوب الخلائق عليه، حتى يتمنى الموت فلا يجاب.
وينبغي لوالد الطفل ووالدته أن يعلماه قول الحمد لله، ولا يسامحاه في ترك ذلك وقتا واحدا ليصير ذلك من عادته، وينبهاه على أن يقول ذلك بحضور القلب مع اللسان، فإن القلب إذا شكر وقع الشكر من جميع الجوارح من حيث كونها رعيته، وإذا شكر باللسان لم يتعد ذلك إلى غيره، ولدوام النعم وتحويلها تحقيق آخر يعرفه أهل الله ليس هذا موضعه، وإنما الشارع يخوف صغار العقول بالأمور التي يخافون منها طلبا لردهم إلى مقام الأدب، إذا لا يتعدى الحدود في الغالب إلا من لم يكمل عقله وكامل العقل لا يحتاج إلى تخويف في الدنيا والآخرة، لعلمه بأن جميع ما يحوله الله عنه مما بيده ليس له منه إلا ما استمتع به قبل التحويل والملك في جميع الأشياء لله تعالى فلا يتأثر على فوات شئ لأنه ما فاته إلا وهو ليس من رزقه، ومن لازم كامل العقل أيضا حسن ظنه بربه فلا يحمل هم الزرق فهو مرفوع الهمة على أن يحمد ربه أو يعبده لعلة ثواب أو خوف من عقاب.
وفي بعض الكتب المنزلة.
يقول الله عز وجل ومن أظلم ممن عبدني لنعيم جنة أو لخوف من نار لو لم أخلق جنة ولا نارا لم أكن أهلا لأن أطاع.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد السلوك على يد شيخ ناصح حتى يخرجه عن الرعونات النفسية، ويصير يعبد الله امتثالا لأمره لا لعلة دنيوية ولا أخروية، وذلك يحصل للمريد في أول مبادئ الطريق فليس هو بمقام عظيم كما يتوهمه من لم يسلك الطريق، وقد تحققنا بذلك ولله الحمد أول دخولنا في الطريق، وذلك أني لما ذقت مقام التوحيد