وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: ينبغي لكل من ولاه الله ولاية على الناس أن يصبر على مخالفتهم لأوامره لا سيما في أوائل الولاية حتى ترتاض نفسه ويتمكن في مقام الصبر والحلم، فإن من كانت رعيته منقادة له فهو خداع، لا يظهر مقامه في الحلم، فليقل من ضجر ممن ولاه الله لنفسه: إن لم تتحملي أنت عوج رعيتك فمن يحمله؟
وبلغنا أن ذا الكفل عليه السلام لم يكن رسولا، وإنما كفل رسول زمانه حين خرج في غزاة وقال له اخلفني في قومي خلافة حسنة، فكان لا ينام في الليل ولا في النهار، فتقلق يوما من ذلك فأراد أن ينام في القائلة فغلق بابه ووضع رأسه، فأول ما خفق به النوم دق إبليس عليه الباب فتصدع رأسه، وقال قم افصل بيني وبين خصمي، وكان قصد إبليس أنه يتقلق ويترك الخلافة لما علم لذي الكفل في ذلك من الأجر العظيم، فقام وفصل بينهما فأتاه في اليوم الثاني كذلك والثالث كذلك إلى أن ألهمه الله تعالى أنه إبليس، فاستعاذ بالله منه فانصرف عنه، فلولا أنه كان من الصالحين لفتنه عن دينه، فلينتبه كل من ولي ولاية لمثل ذلك.
وربما وسوس إبليس للمريدين بالأمور المخالفة للأدب مع الشيخ من كل وجه ليعرض الشيخ للنفرة منهم فيلتقمهم كما يلتقم التمساح السمك يصير يسخر بالشيخ، فإنهم قالوا: حكم الشيخ حكم الصياد الذي يصطاد المريدين من أفواه الشياطين ويخرجهم من تحت أسنانهم.
وقد وقع لي مرة أن جميع إخواني المقيمين في الزاوية تغيرت أحوالهم وثقل الذكر والخير على نفوسهم حتى لم يبق في يد حكمي منهم شعرة واحدة، فأردت الانتقال من الزاوية إلى مكان ليس فيه فقراء، فلما أردت الخروج من الزاوية تمثل لي إبليس تجاهها وهو يصفق ويرقص ويقول لي غلب غلب غلب، فرجعت فزاد عليهم الأمر وطلبوا أن يحترفوا بالقرآن في ليالي الجمع وغيرها ويتركوا مجلس ذكر الله والصلاة على نبيهم صلى الله عليه وسلم احتسابا، فتوجهت للنبي صلى الله عليه وسلم في الاستئذان في ذلك، فرأيت سيدي عليا الخواص رحمه الله وهو واقف خلف باب لا أرى من وجهه إلا أنفه وهو يقول لي: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم اصبر على إخوانك طالبا وجه الله ولا تبال بمخالفتهم لأوامر الله عز وجل وتخولهم بالموعظة كل حين فعلمت أن ذلك إنما كان امتحانا لي في الصبر حين وسوس لي إبليس وقال لي ليس لتربيتك فيهم ثمرة