فاجره على الله) وقوله تعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) الآية فهي بنصها بيان جلى بأنها إنما هي فيما دون النفس لافى النفس لان المخاطب فيها بأن يعاقب بمثل ما عوقب به هو الذي عوقب نفسه هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحل صرفها عنه بالدعوى، وهكذا نقول وليس فيها جواز العفو عن النفس أصلا وإنما فيها جواز الصبر عن أن يعاقب بمثل ما عوقب به فقط، وأما قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) إلى قوله:
(فاجره على الله) فهو عموم يدخل في العفو عن النفس وما دونها وعفو الولي أيضا داخل فيها فان وجدنا منها دليلا يخص منها ما ذكروه وجب المصير إليه وإلا فقد صح قولهم * وأما حديث عروة بن مسعود رضي الله عنه فإنما قام يدعو قومه إلى الاسلام وهم كفار حربيون قد حاربهم النبي صلى الله عليه وسلم ورجع عنهم وهم أطغى ما كانوا فتوجه إليهم عروة داعيا إلى الاسلام كما في نص الحديث المذكور فرموه فقتلوه ولا خلاف بين أحد من الأمة في أنه لا قود على قاتله إذا أسلم ولا دية، فأي معنى للعفو ههنا؟
وهكذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب ياسين فبطل أن يكون لهم متعلق به أصلا وإنما هي تمويهات يرسلونها لا يفكرون في المخرج منها يوم الموقف بين يدي الله تعالى * وأما حديث عدى بن ثابت فعهدنا بإسماعيل يرد المسند الصحيح عن عدى بن ثابت إذا خالف رأيه فيمن سمع الاذان فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر ويوهن روايته بأنه منكر الحديث، ومن أيقن أنه مسؤول عن كلامه لا سيما في الدين ويفكر في قوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) لم يجترئ على مثل هذا، وأقرب من هذه الفضيحة العاجلة عند من طالع أقوالهم والحمد لله على ما من به من الاذعان للحق وترك العصبية للأقوال التي لا تغني عنا من الله شيئا لا هي ولا القائل بها * ثم نرجع إلى الحديث المذكور فنقول وبالله تعالى التوفيق: انه فيه عللا تمنع من الاحتجاج به، أحدها انه من رواية عمر ان بن ظبيان وليس معروف العدالة قال أحمد: فيه نظر، والثاني أنه منقطع لان عدى بن ثابت لم يذكر سماعه إياه من الصاحب، والثالث اننا لا ندري ذلك الصاحب أصحت صحبته أم لا؟، والرابع أنه لو لو صح لكان عموما كما قلنا في قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فاجره على الله) فان وجد دليل يخص من هذا العموم عفو المعقول عن دمه وديته جاز ذلك ووجب المصير إليه وتخصيص هذا العموم والا فواجب حملهما على عمومهما وبالله تعالى التوفيق * وأما قولهم إنه قول ابن عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم