قال أبو محمد: أما احتجاج المالكيين بمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم فهو كله عليهم لا لهم أما عمر فلم يأت عنه بيان من هو المحلل الملعون الذي يستحق الرجم فليسوا أولى به من غيرهم ثم قد خالفوا عمر في ذلك فلا يرون فيه الرجم. ثم قد أوردنا عن عمر إجازة طلاق المحلل فبطل تعلقهم به. وكذلك الرواية عن علي وابن مسعود ليس فيها عنهما: أي المحللين هو الملعون ونحن نقول إن الملعون هو الذي يعقد نكاحه معلنا بذلك فقط، وأما عثمان وزيد فهم مخالفون لهما في تلك الفتيا بعينها في أن وطئ السيد بملك اليمين يحللها للذي بتها ومن الباطل أن يحتج بقولهم في موضع ولا يحتج به في آخر، هذا تلاعب بالدين. واما ابن عمر فقد خالفوه في أنه زنا. وأما ابن عباس فليس عنه بيان أن النكاح فاسد ولا انها لا تحل به وكم قضية خالفوا فيها ابن عباس مع أنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. واما الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لعن المحلل والمحلل له فنعم كل ما قاله عليه الصلاة والسلام فهو حق الا أننا وجميع خصومنا لا نختلف في أن هذا اللفظ منه عليه الصلاة والسلام ليس عموما لكل محل ولكل محلل له ولو كان ذلك وأعوذ بالله وقد أعاذنا الله تعالى من ذلك للعن كل واهب وكل موهوب له وكل بائع وكل مبتاع له وكل ناكح وكل منكح لان هؤلاء كلهم محلون لشئ كان حراما ومحلل لهم أشياء كانت حراما عليهم، هذا ما لا شك فيه فصح يقينا أنه عليه الصلاة والسلام إنما أراد بعض المحلين وبعض المحلل لهم فإذا هذا كالشمس وضوحا ويقينا لا يمكن سواه فلا يحل لمسلم أن ينسب إليه عليه الصلاة والسلام أنه أراد أمر كذا إلا بيقين من نص وارد لا شك فيه والا فهو كاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقول له ما لم يقله ومخبر عنه بالباطل فإذ هذا كله يقين فالمحل الملعون والمحلل له كذلك إنما هما بلا شك من أحل حراما لغيره بلا نص: ثم نظرنا هل يدخل في ذلك من تزوج وفي نيته أن يحلها لمطلقها ثلاثا أم لا يدخل: فوجدنا كل من يتزوج مطلقة ثلاثا فإنه بوطئه لها محل والمطلق محلل له نوى ذلك أو لم ينوه فبطل أن يكون داخلا في هذا الوعيد لأنه حتى أنه اشترط ذلك عليه قبل العقد فهو لغو من القول ولم ينعقد النكاح الا صحيحا بريا من كل شرط بل كما أمر الله عز وجل: وأما بنيته لذلك فقد قلنا فيها الآن ما كفى، والعجب أن المخالفين لنا يقولون فيمن تزوج امرأة وفي نيته أن لا يمسكها إلا شهرا ثم يطلقها إلا أنه لم يذكر ذلك في عقد النكاح فإنه نكاح صحيح لا داخلة فيه وهو مخير ان شاء طلقها وان شاء أمسكها وانه لو ذكر ذلك في نفس العقد لكان عقدا فاسدا مفسوخا فأي فرق بين ما أجاز وبين ما منعوا منه وليس هذا قياسا لاحد الناكحين على صاحبه لكنه كله باب واحد يبين حكمه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه باسناده عفى لامتي عما حدثت به
(١٨٣)