إي والله هكذا أقول، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: فإن الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته، كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها " (1).
وهي كما ترى ظاهرة في أن الشبهة فيه إنما هي في كونه ميتة لعدم تعارف ذبحه، وليس مثل الحيتان يكون خروجها من الماء ذكاتها، فأجاب بأنه مثلها في ذلك، ولا يبعد أن تكون رواية ابن الحجاج أيضا حكاية عن هذه القضية التي حكاها ابن أبي يعفور، فترك ابن الحجاج ما لا دخالة له في الحكم، ونقل بالمعنى ما هو دخيل فيه، ولو كانت الواقعة قضيتين فلا ريب في أن الشبهة ما ذكرناه، فتكون الرواية أجنبية عما نحن بصدده، ولا أظن أن الشيخ كان متمسكه هذه الصحيحة أو الذي ذكره المحقق، بل الظاهر عثوره على رواية بالمضمون المحكي.
وأما الآدمي منها فهل هي نجسة أم لا؟ وعلى الأول هل هي نجسة عينا أو حكما؟ وعلى التقديرين هل تكون نجاستها على حذو سائر النجاسات في السراية فلا تسري إلا بالملاقاة معها رطبا بنحو يتأثر منه الملاقي أم تسري مع اليبس أيضا؟ وعلى التقادير هل يكون حال ملاقي ملاقيها كسائر النجاسات أم لا؟ ربما يتشبث القائل بعدم النجاسة العينية بوجه عقلي، وهو أن عين النجاسة لا يعقل رفعها وزوالها بالاغتسال مع أن الميت بعد الغسل طاهر بلا إشكال.
وفيه أن ذلك موجه لو كانت أعيان النجاسات أمورا تكوينية ويكون الميت كالمني والعذرة قذرا ذاتا، ويكون منشأ نجاسته شرعا قذارته الذاتية، لكن قد عرفت أن القذارات الشرعية مختلفة، فمنها ما هي مستقذرة عرفا كالأخبثين. ومنها ما ليست كذلك كالكافر والخمر فإن القذارة فيهما مجعولة لجهات أخر غير القذارة العرفية والذاتية،