منا من أن الطهارة الخبثية ليست أمرا وجوديا مضادا للقذارة، بل هي عبارة عن خلو الجسم عن القذارات ونقائها عنها، لا بمعنى دخالة هذا العنوان، بل الطهارة عدم تلوث الجسم الموجود بشئ من القذارات وكونه على حالته الأصلية، فإن الضرورة قاضية بأنه لم يكن في الجسم غير أوصافه الذاتية والعرضية شئ وجودي هو الطهارة مقابل القذارة، فالطهارة عبارة أخرى عن عدم القذارة، وكذا النظافة، بل الطهارة عن الأخباث المعنوية والصفات الخبيثة ليست إلا خلو النفس عنها، وأما حصول كمالات مقابلات لها فهي أمور أخر غير الطهارة عنها كما يظهر بالتأمل، وما ذكرناه هو الموافق للعرف واللغة، فما أدعى بعض الأعيان من وضوح كون الطهارة ضدا وجوديا للقذارة الخبثية في غير محله، بل مدعي وضوح خلافه غير مجازف.
فحينئذ نقول: لا يعقل شرطية حيثية العدم للماهية المأمور بها لا بحسب الملاكات الواقعية ولا بحسب تعلق الإرادة الجدية ولا بحسب الأوامر المتعلقة بمتعلقاتها، أما الأولى فلعدم إمكان مؤثرية العدم ولو بنحو جزء الموضوع في شئ وما يتوهم ذلك في بعض الأمثلة العرفية ناشئ من الخلط وقلة التدبر، وإلا فما ليس بشئ أصلا كيف يمكن تأثيره ودخالته في أمر، فإن التأثير ونحوه من الأمور الوجودية لا يمكن اتصاف العدم به، ومن هنا يظهر امتنان تعلق الإرادة والأمر به، أي بما هو عدم حقيقة، لا بمفهوم العدم الذي هو وجود بالحمل الشايع.
وما ذكرناه ليس أمرا دقيقا عقليا خارجا عن فهم العرف حتى يقال: إن الميزان في هذه الأبواب هو الفهم العرفي، وبعد امتناع شرطية العدم لا محيص عن إرجاع ما يظهر منه الشرطية إلى مانعية الوجود التي قد عرفت تعقله، مع أن غالب الأدلة ظاهرة في مانعية النجاسة لا شرطية الطهارة