لبعض القذارات العرفية وأخرج بعضها عنها، وألحق أمورا بها، فالبول والغائط ونحوهما قذرة عرفا وشرعا، ووضع الشارع لها أحكاما، وأخرج مثل النخامة والقيح ونحوهما من القذارات العرفية عنها حكما بلسان نفي الموضوع في بعضها، وألحق مثل الكافر والخمر والكلب بها بجعلها نجسا أي اعتبر القذارة لها، ففي الحقيقة أخرج مصاديق من المفاهيم تعبدا وأدخل مصاديق فيه كذلك من غير تصرف في المفهوم، فإن أريد من الاصطلاح الشرعي ذلك فلا كلام، وإن أريد أن مفهوم القذارة عند الشرع والعرف مختلفان فهو ممنوع.
ولا إشكال في أن الأحكام الشرعية كانت مرتبة على قذارات كالأخبثين وغيرهما في عصر الشارع الأقدس، فقوله تعالى: " إنما المشركون نجس " محمول على النجاسة بمفهومها، لكن لا بمعنى الاخبار عن الواقع، فإنه غير محقق، ومع فرض تحققه لا يكون الاخبار به وظيفة الشارع، بل بمعنى جعل ما ليس بمصداق مصداقا تعبدا، وهو الأقرب بعد قيام القرينة العقلية والعادية، كما عرفت الكلام فيها مستقصى.
فتحصل من ذلك أن دلالة الآية الكريمة بالنسبة إلى المشركين تامة، وأما بالنسبة إلى الذمي فقد يقال بانسلاكه فيهم، لقوله تعالى:
" وقالت اليهود عزيز ابن الله - إلى قوله -: سبحانه عما يشركون " (1) وفيه أن تلك الآية مسبوقة بأخرى، وهي: " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون " والمراد باتخاذهم أربابا ليس ما هو ظاهرها، لعدم قولهم بألوهيتهم.