إلا حيثية القذارة أو المشركون بتمام حقيقتهم عين القذارة.
وهذه الدعوى إنما تحسن وتصير بليغة إذا كان المشرك خبيثا في باطنه ونجسا في ظاهره ولا تكون له نقطة طهارة ولو ادعاء، وإنما تفرع عدم قرب المسجد الحرام على هذه المرتبة من النجاسة الادعائية، وهي مختصة بالمشرك أو هو وسائر الكفار، وأما سائر النجاسات فلا دليل على الحاقها بهم ما لم يدعي لها ما ادعى، فالحكم لم يتفرع على النجس بالكسر حتى يتعدى إلى سائر النجاسات، بل على ما بلغ مرتبة يدعى له هذه الدعوى على سبيل المبالغة، ولعل ما ذكرناه هو مراد من قال بغلظة نجاستهم، فلا يرد عليه ما قيل: إن أغلظية نجاسة الكافر من الكلب أو دم الحيض غير معلومة.
وبالجملة اسراء الحكم من هذه الحقيقة الادعائية المبنية على ما أشرنا إليه إلى غيرها مشكل بل ممنوع، ولا يتوهم أن أعيان النجاسات كلها عين النجس بالفتح، وذلك أن شيئا منها ليس كذلك. بل لها ذوات وحقائق غير هذا المعنى المصدري أو الحاصل من المصدر، نعم يصدق عليها النجس بالكسر بلا تأول، لكن لم يتفرع عليه الحكم.
ثم إن هاهنا كلاما آخر، وهو أن قوله: " لا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " لا يبعد أن يكون كناية عن عدم دخولهم للحج وعمل المناسك بقرينة قوله: " بعد عامهم هذا " المتفاهم منه عدم قربهم في سائر الأعوام، ومع كون المعهود من شد رحال المشركين في كل سنة إلى المسجد الحرام لعمل المناسك لم يبق للآية ظهور في الكناية عن مطلق الدخول، بل لا يبعد أن تكون كناية عن الدخول للعمل أو عمل المناسك المستلزم للدخول.
ففي المجمع والعام الذي أشار إليه هو سنة تسع الذي نادى فيه