ولهذا لو قيل إن العذرة اليابسة مطهرة للنجاسة إذا ذهب بالمسح بها أثرها عد عند العرف مستنكرا، فلا ينقدح في الأذهان من الأدلة إطلاق يشمل الأرض النجس، فلو كانت الأرض نجسا بالبول وكانت رطوبة البول موجودة غير سارية وقلنا باجتزاء الجفاف فهل ترى من نفسك أن المشي في رطوبة البول صار مطهرا لنداوته.
والانصاف أن الأدلة منصرفة عن الأرض النجسة، فلا وجه للتمسك باطلاقها لنفي الاعتبار، وتوهم أن ترك هذا القيد في الأخبار على كثرتها دليل على عدم الاعتبار مدفوع بأن الترك للاتكال على الارتكاز العقلائي، ولهذا لم يرد هذا القيد في مطهرية الماء، لعدم الاحتياج إلى ذكره لا لعدم الاعتبار.
ثم إنه لا فرق بين المشي والمسح في حصول الطهارة، كما تدل على كل منهما الروايات المتقدمة، ولا يتقدر المشي بمقدار معين، بل المعتبر زوال عين النجاسة، ولا تصلح صحيحة الأحول لتقييد الاطلاقات، سيما مثل قوله عليه السلام: " إن الأرض يطهر بعضها بعضا " خصوصا بعد قوله عليه السلام: " أليس ورآه شئ جاف؟ " أو " أليس يمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ ".
مضافا إلى أن الظاهر من قوله عليه السلام في صحيحة زرارة:
" لكنه يمسحها حتى يذهب أثرها " أن المسح ونحوه إنما هو لاذهاب الأثر، فلها نحو حكومة على سائر الأخبار، فيفسر المقصود من مشي خمسة عشر ذراعا بأنه ليس إلا للقلع، ولهذا لا يشك أحد في أنه مع عدم القلع بهذا المقدار لا يصير طاهرا، مع أن قوله (ع) في الصحيحة:
" أو نحو ذلك " دليل على أن التحديد ليس تعبديا، بل لحصول الغاية بها نوعا.