دالة على أن الغسل لم يؤمر به إلا للتنظيف، والحجام إذا كان ينظفه حصل المقصود به، ومنه يعرف سر الأمر بالغسل في سائر النجاسات، وهو تحصيل النظافة عرفا.
ومن ضم تلك الروايات الكثيرة وغيرها مما لم نذكره يحصل الجزم لو خليت الواقعة عن دليل تعبدي بأن التنظيف عند الشارع ليس إلا ما لدى العقلاء، وأن الأمر بالغسل بالماء فيما ورد إنما هو لسهولة تحصيل الطهور به ولو فوره ولكونه مع مجانيته أوقع وأسهل في تحصيله، ومعه لا يفهم من الأدلة الآمرة بغسل الأشياء بالماء خصوصية تعبدية، ولا يفهم العرف أن التطهير والتنظيف لدى الشارع غير ما لدى العقلاء وأن الطهارة عنده ليست عبارة عن خلو الشئ عن القذارة العارضة، بل هي أمر آخر ليس للعقلاء إلى فهمه سبيل، فإن كل ذلك بعيد عن الأفهام، مخالف لتلك الروايات الكثيرة، يحتاج إثباته إلى دليل تعبدي رادع للعقلاء عن ارتكازهم، ولا تصلح الروايات الآمرة بالغسل لذلك لما عرفت.
ومنها روايات متفرقة في الأبواب ظاهرة في عدم السراية، كصحيحة حكم بن حكيم قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أبول فلا أصيب الماء، وقد أصاب يدي شئ من البول فأمسحه بالحائط وبالتراب ثم تعرق يدي فأمسح بها وجهي أو بعض جسدي، أو يصيب ثوبي، قال: لا بأس به " (1) وهي أيضا موافقة لما تقدم.