" إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " (1) سيما إذا أريد التشبيه، ومجرد كون صدرها في مورد التيمم لا يوجب تقييد الكبرى الكلية التي في مقام الامتنان المقتضي للتعميم.
وتقريب الاستدلال بهذه الطائفة للمطلوب بأن يقال: إن الطهارة لدى العرف عبارة عن خلو الأشياء ونقائها عن القذارات، والأرض كالماء مؤثرة في إزالتها وإرجاعها إلى حالها الأصلية، وزوال العلة، وهي بعينها دعوى السيد، ولازمه عدم سراية القذارات في الأشياء، إذ الأرض لا تؤثر إلا في زوال الأعيان، وهو بعينه الطهارة عرفا وعقلا.
وبالجملة هذه الطائفة تدل على ما ذهب إليه من عدم اختصاص الطهور بالماء، ويثبت بها لازمه، وشاهدة أيضا على ما لدى العقلاء في ماهية الطهارة والقذارة، فما قد يمكن أن يقال: إن التعبير بالطهور دليل على أن الأشياء تصير قذرة محتاجة إلى المطهر - غاية الأمر كما يكون الماء مطهرا تكون الأرض مطهرة وهو مخالف لمذهب السيد - مدفوع بأن العرف لا يرى الطهارة إلا إزالة النجاسة عن الجسم وإرجاعه إلى حالته الذاتية، وطهورية الأرض كطهورية الماء ليست إلا ذلك، وهي معلومة بالمشاهدة كما قال السيد في كلامه المتقدم.
ومنها ما دلت على مطهرية غير الماء لبعض النجاسات، كصحيحة زرارة قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها، أينقض ذلك وضوءه؟ وهل يجب عليه غسلها؟
فقال: لا يغسلها إلا أن يقذرها، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها، ويصلي " (2) ولا يخفى قوة دلالتها على مذهب السيد، فإن العذرة