ففي الحقيقة، يكون ذلك مشابها - من جهة - بالقضية الخارجية; لأن عنوان «المكيل» و «الموزون» جعل طريقا إلى خصوص الأجناس المكيلة والموزونة في عصره (عليه السلام)، لا إلى كل ما يوزن ويكال، ومن جهة بالقضية الحقيقية; لأن المشار إليها ليست الطبائع المتقيدة بزمان خاص أو مكان خاص، ولا أفرادها الموجودة في ذلك العصر، بل نفس تلك الطبائع القابلة للصدق على الموجود في كل زمان ومكان.
فتصير نتيجة ذلك التقييد وذاك الإطلاق، هو القول المشهور; أي الأجناس التي كانت مكيلة أو موزونة في عصر الشارع، لا يجوز التفاضل فيها في كل عصر ومصر، إذا كان الجنس واحدا، ولا بد فيها من التعامل بالكيل والوزن كذلك.
أو أخذ الموضوع في الروايات على وجه الموضوعية، لكن بنحو القضية الخارجية; أي متقيدا بما لا ينطبق إلا على ما هو الموجود في عصره، وجعل الحكم عليه بنحو الإطلاق; أي كل ما كان يكال في عصره، لا يجوز بيعه مطلقا - أي في كل عصر ومصر - مثلين بمثل إذا كان الجنس واحدا.
ثم اعلم: أن البحث في هذا الباب، إنما هو بعد الفراغ عن أن أدلة اعتبار الكيل والوزن، مستقلة في قبال دليل النهي عن الغرر، كما تقدم الكلام فيه (1).
وإلا فلو كان الدليل منحصرا بالغرر، وكان اعتبار الكيل والوزن لكونهما من مصاديق رفع الغرر، لم يبق مجال لهذا البحث; لأن الكيل والوزن - على هذا الفرض - لا يكونان موضوعين لحكم في الشرع، بل الموضوع هو الغرر ونفيه، وإن أمكن البحث على هذا الفرض أيضا، بأن يقال: إن ما كان يرتفع به الغرر في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا بد وأن يرتفع به في كل عصر، فيكون موضوع الحكم، رفع الغرر