مثلا: إذا ورد النهي عن الوفاء بعقد الهبة، فهو تخصيص واقعا، ولا يصح تعنون العام بعنوان المخصص، ولا توصيفه به، فإنه عند ذلك يبقى العام على حاله من الحجية، بخلاف ما إذا ورد " لا تكرم الفساق من العلماء " فإنه يلزم من الجمع بين الدليلين بعد المعارضة تقييد عنوان العام، وأن العالم جزء موضوع الدليل، وجزؤه الآخر صفة العدالة أو عدم الفسق، فإنه حينئذ لا يمكن التمسك بالعام، لأن الشبهة المصداقية تصير موضوعية، فيدور الأمر بين بقاء العام على الحجية وتعين التمسك، وبين امتناع التمسك.
وفيه ما عرفت منا: من أن حديث تعنون القانون وألفاظه بألفاظ القانون الآخر، مما لا يصح ولا يجوز ذلك، لأنه تصرف في القانون، ويكون من الاعوجاج في الاجتهاد (1)، فألفاظ القوانين بما لها من المعاني باقية على حالها، ولا يكون في مرحلة الإثبات تقييد ولا توصيف وإن كان الأمر كذلك في مرحلة الثبوت، ضرورة أن الاحتجاجات العقلائية تدور مدار الإثبات، وحدود الدلالات التصورية والتصديقية والظهورات المستقرة والمنعقدة.
فالاستظهار من الألفاظ الواردة في القوانين بعد التقييد استظهار من غير القانون الإلهي الشرعي، بل لا بد للمجتهد من فهم الواقع من غير أن يقيد عنوان العام بما ليس مقيدا به في الدليل بحسب الظاهر والإثبات، ولا سيما بعد احتمال ترتب الشهرة عليه، كما ترى وتحرر في محله (2).
هذا مع أنه ربما لا يمكن تعيين خصوص القيد كما في تخصيص " أكرم العلماء " بقوله: " لا تكرم الفساق منهم " فإنه كما يمكن أن يكون القيد عنوان " العدول " يمكن أن يكون عنوان " غير الفاسقين " وكما يمكن الأخير على نعت