كما يمكن دعوى: أن الجملتين لا مفهوم لهما، وذلك لأن كون مجئ زيد علة تامة منحصرة لوجوب إكرامه، لا يجتمع مع كون إهانته علة تامة منحصرة لعدم وجوب إكرامه، ضرورة أن وجوب الإكرام إذا كان مستندا - ولو بوجه عرفت منا - إلى المجئ فلا يعقل أن عدم الوجوب يستند إلى أمر وجودي آخر، بل انتفاء المجئ تمام السبب لانتفاء الوجوب، ولا يقبل عدم الوجوب عندئذ علة أخرى.
وإذا رجعت العلتان إلى واحد جامع بينهما، يسقط المفهومان إما على الإطلاق، أو في مورد المعارضة، ويجوز التمسك بهما في غير موردها، فلاحظ وتأمل.
وعلى هذا فيما إذا ورد: " إن كانت الذبيحة مما ذكر اسم الله عليها فلا بأس بها ".
وورد في آخر: " إن كانت الذبيحة مما اهل به لغير الله فلا تأكل منها ".
فإنه تقع المعارضة فيما إذا ذبحت بلا ذكر الله، فإن قضية الأولى حرمتها، ومقتضى الثانية حليتها، فإن أخذنا بالوجه العرفي يلزم الأخذ بالأولى، وإن أخذنا بالوجه الثاني يرجع إلى أصالة البراءة، أو الحرمة، على الخلاف الآخر المحرر في الأصول (1)، وهكذا إن قلنا بالتخيير العقلي أو الشرعي.
والإنصاف: أن دليل المفهوم كان قاصرا عن إثباته إلا في بعض القضايا التي مر تفصيلها (2)، وعندئذ فإثباته هنا مع قطع النظر عن المكاذبة المزبورة مشكل، فضلا عن تلك المناقشات، فليتدبر واغتنم.