والمقام الثالث: في أنه بعد الفراغ من عدم جواز التداخل والامتثال مرة واحدة، فهل هناك دليل على التداخل، أم لا؟
وقبل الخوض في هذه المقامات لا بد من تقديم مقدمة: وهي أن تقييد الجزاء فيما يتعدد السبب نوعا، ويكون الجزاء مما لا يكون له الموضوع، بل الجزاء مشتملا على الحكم والمتعلق كما في الأغسال وأمثالها، ممكن وواضح، ويكون نتيجة التقييد تباين الجزاءين، فإن غسل الجمعة والجنابة بعد التقييد متباينان بالضرورة، ولا يتصور هنا التقييد على وجه تكون النسبة عموما من وجه.
وإذا تعدد السبب شخصيا يكون تقييد الجزاء على سبيل آخر، فيكون الغسل متقيدا بالجنابة الأولى والثانية، أو يتقيد الوضوء بالمرة والمرة الثانية، أو الفرد الثاني مريدا بذلك عنوان الفرد، لا الفرد الخارجي كما لا يخفى. وأما إذا كان للجزاء موضوع زائد على المتعلق، كما في قولك: " إن ظاهرت فأعتق رقبة " و " إن أفطرت أعتق رقبة " فإنه كما يمكن تقييدهما على وجه تكون النسبة بينهما عموما مطلقا، يمكن تقييدهما على وجه تكون النسبة بينهما العموم من وجه.
وبعبارة أخرى: كما يمكن أن يقيد بقولك: " أعتق الرقبة الهاشمية " و " الرقبة العالمة " يمكن أن يقيد بالقرشية وغير القرشية وهكذا.
وأما إمكان تقييد الطائفة الأولى على وجه تكون النسبة عموما مطلقا، فهو محل الخلاف، وهكذا الطائفة الثانية والمحرر منا في محله امتناعه (1)، لأنه كما يمتنع تعدد الوجوب التأسيسي مع وحدة المتعلق، كذلك في هذه الصورة، كما لا يخفى وجهه، ومر تفصيله في بحوث الضد (2) واجتماع الأمر والنهي (3).