عليه وسلم إلى الناس كافة فأقر كل من كانت له حرفة عل حرفته، ولم يأمر أحدا منهم بالخروج عما أقامه الله فيه من الحرف، بل سلكهم وأرشدهم وهم في حرفهم.
فوطن يا أخي نفسك أن يقع من أصحابك جميع ما تقدم في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدب معه، ومن ضده في حقه وحق أصحابه وذلك إما ليستن بهم من بعدهم وهو اللائق بمقامهم وإما أن يكون ما وقع من سوء الأدب في بعض الأوقات بيانا لعدم العصمة ثم يتوبون على الفور، فكيف يطلب مشايخ النصف الثاني من القرن العاشر من تلامذتهم أن يكونوا معهم على الأدب في جميع أحوالهم، هذا شئ كالمحال، فإن شيئا لم يصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه كيف يصح لأحد بعدهم؟ مع أنهم خير القرون ومع شهودهم علو مقامه صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه من الزهد والعبادة وكثرة المعجزات ومع كونه أرحم بالمؤمنين من أنفسهم، فلا تطلب يا سيدي الشيخ من تلامذة القرن العاشر أن يكونوا في الأدب فوق أدب الصحابة، هذا مما لا يكون.
* (والله غفور رحيم) *.
ثم لا يخفى عليك يا أخي أن الزهد في الدنيا لا يكون إلا فيما هو حلال خالص. وأما ترك ما فيه شبهة فلا يسمى زهدا وإنما هو تورع، فعلى هذا لا تجد الآن زاهدا إلا أن يكون في علم الله لا نعلمه نحن، لأن غالب ما بأيدي الخلائق الآن من الأموال للشرع عليه اعتراض وما بقي إلا أن يأكل الإنسان أكل المضطر ويلبس لبس المضطر، وكل من رخص لنفسه هنا فربما شدد الله عليه الحساب يوم القيامة وبالعكس، وقد صار في أفواه غالب الناس هات حرام وبس، وهذا لا ينبغي لمؤمن أن يتلفظ به لأنه كالاستهزاء بمناقشة الحق تعالى له يوم القيامة.
وكذلك لا يخفى عليك يا أخي أن من الشبهات ما يأخذه شيخ الزاوية باسم الفقراء ويختلس منه شيئا لنفسه، فهو ولو كان حلالا من أصله فقد صار شبهة من حيث النصب.
وقد أخبرني من أثق به أن شيخا له سبحة وسجادة أعطاه الباشات ألف نصف على اسم الفقراء المقيمين بزاويته فلم يعط فقيرا منها نصفا وقال هذه شبهات وقد انشرح صدري أن أحمل عنكم حسابها، فاشترى له بها صوفا وتزوج بالباقي فنفرت منه فقراء الزاوية ولم يبق لهم فيه عقيدة.