ومن النساء من كانت تحب النبي صلى الله عليه وسلم وترى الفضل له إذا خطبها لتكون معدودة من أزواجه في الجنة، ومنهن من كانت تكره ذلك وتستعيذ بالله منه كابنة الجون، ومنهن من كانت تستحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جالسته وتصير ترتعد من هيبته، ومنهن من كانت لا تهابه ولا تستحي منه كهند فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع النساء وقال:
ولا تقتلن أولادكن.
فقالت له هند نحن ربيناهم صغارا فقتلتهم أنت كبارا، فسكت صلى الله عليه وسلم ولم يتم المبايعة، ومنهن من تقلقلت لما رأت معيشة النبي صلى الله عليه وسلم ضاقت وطلبت الفراق، ومنهن من اختارت المقام معه صلى الله عليه وسلم والصبر على ذلك كعائشة رضي الله عنها. ومنهن من كانت كثيرة الغيرة كعائشة حتى أنها رأت سودة وهي ذاهبة بإناء فيه طعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقامت لها وكسرت الإناء وساح الطعام على الأرض فقام النبي صلى الله عليه وسلم وضم الطعام من الأرض في الإناء وقال:
غارت أمكم.
ومن خدامه من كانت لا تجيبه إذا ناداها فيقول:
والذي نفسي بيده لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك.
ومنهن من كانت تعتني بكل شئ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم كعائشة رضي الله تعالى عنها وبريرة، ومنهن من لم ترو عنه ولا حديثا.
هذا ما حضرني الآن من الشواهد التي تشهد لانقسام أصحاب كل داع إلى الله تعالى كما انقسم من دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن طلب زيادة على ذلك فليتتبع أحوال الأمم السابقة مع أنبيائها، فإن تلك الأقسام لم تزل في أصحاب جميع الدعاة إلى الله تعالى.
وعلم من جميع ما قررناه أن من طلب من المشايخ أن يكون جميع أصحابه مستقيمين متجردين عن الدنيا ومتأدبين معه، لا اعتراض لهم عليه ولا اختيار لهم معه، أو يشاورنه في جميع أمورهم كما شرط القوم ذلك في حق المريدين الصادقين فهو أعمى البصيرة، وإنما وظيفة جميع الدعاة إلى الله تعالى أن يبلغوا الآداب الشرعية إلى قومهم لا غير، فهم مأجورون على كل حال سواء امتثل الخلق أمرهم أو لم يمتثلوا، وقد أرسل النبي صلى الله