فإياك يا أخي أن تفعل مثل ذلك إذا عملت شيخا، وفي قصة سلمان الفارسي أنه لما قرب ظهور رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم صار سلمان يسيح في البلاد لعله يعثر عليه، فدل على راهب فذهب إليه فوجده صائم الدهر لا يأكل شيئا من الشهوات فخدمه حتى مات فرأوا وراءه ثلاثة فما قام فيها نحو نصف إردب فضة فرجمه الرهبان ولم يصلوا عليه، فسأل عمن يدله على الله تعالى فدل على راهب آخر على قدم عظيم في الزهد والعبادة فخدمه، فلما مات وجدوا وراءه مالا جزيلا فرجمه الرهبان ولم يصلوا عليه، فدل على ثالث فذهب إليه فوقع له مثل الأولين فرجموه ولم يصلوا عليه فدل على النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن كان ما كان.
وقد بلغنا أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان يزهد جميع أصحابه في الدنيا، ثم يقول: من بنى منكم دارا فكأنما بنى على موج البحر. قال الشيخ عبد القادر الجبلي: وما أحسن تمثيله الدنيا بموج البحر ثم ينشد:
أتبني بناء الخالدين وإنما * مقامك فيها لو عقلت قليل لقد كان في ظل الأراك كفاية * لمن كل يوم يقتضيه رحيل ألا إن قطاع الفيافي إلى الحمى * كثير وأما الواصلون قليل يعني فكما أن البناء لا يثبت على الموج فهكذا لا يثبت في الدنيا لأنها زائلة متحركة كتحرك الموج على الماء.
وفي باب الطهارة من الفتوحات المكية ما نصه: أجمع أهل كل ملة ونحلة على أن الزهد في الدنيا مطلوب، وكذلك إخراج ما مع الإنسان منها مطلوب، وقالوا إن فراغ اليد من الدنيا أحب لكل عاقل خوفا على النفس من الفتنة التي حذرنا الله منها بقوله:
* (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) *.
ومن قواعد الرهبان أن لا يدخرون قوتا لغد ولا يمسكوا فضة ولا ذهبا.
ورأيت شخصا قال لراهب انظر لي هذا الدينار هو من ضرب أي الملوك؟ فلم يرض وقال النظر إلى الدنيا منهي عنه عندنا.
ورأيت الرهبان مرة وهم يسحبون شخصا ويخرجونه من الكنيسة ويقولون له أتلفت علينا الرهبان، فسألت عن ذلك فقالوا رأوا على عمامته نصفا مربوطا فقلت لهم ربط الدنيا عندكم مذموم؟ فقالوا وعند نبيكم.