وأما في الفروج والكلام فلا تحصى الخيانة فيهما.
فحكى أن امرأة من بني إسرائيل كانت بديعة الجمال فتداعت هي وخصمها عند قاض من بني إسرائيل، فلما نظر القاضي إليها وقع في قلبه محبتها فقال لها في أذنها لا أقضي لك إلا إن مكنتيني من نفسك، فلم تجبه إلى ذلك فراجعت القاضي وخوفته من الله تعالى، فلم يخف فرفعت أمرها لحاكم سياسي ليخلصها فلما نظر إليها افتتن بها كذلك وقال لا أخلصك إلا إن مكنتيني من نفسك، فخوفته من الله تعالى فلم يخف فرفعت أمرها للسلطان فطلب منها أن تمكنه كذلك فبكت ورفعت أمرها إلى داود عليه الصلاة والسلام فعلم بذلك القاضي والحاكم والسلطان فدبروا حيلة يؤدي قبولها إلى قتلها، وقالوا نريح الناس من فتنتها، فأتوا داود عليه السلام ببينة تشهد عليها أنها ربت عندها كلبا وصارت تمكنه من نفسها كلما أرادت، فأمر داود عليه السلام بقتلها، ثم إن الله تعالى ألهم سليمان وصغار الحارة أن يعمل أحدهم حاكما تتداعى عنده امرأة جميلة تأخذ بالقلوب وأقاموا البينة زورا وشهدوا على تلك المرأة بتمكينها الكلب منها، فقال سليمان هذه البينة زور ورد شهادتهم كل ذلك وداود ينظر من حيث لا تشعر الأطفال، فعلم داود أنه حكم بغير الحق فرجع عن أمره بقتلها.
وقد أخبرني الشيخ عمر الإمام عندنا بالزاوية أن شخصا لعب على عقل أخت رجل من أصحابه وتزوجها ثم سافر بها لبلد أخرى، فادعى أنها أخته وزوجها لإنسان وهرب فصار يطلب المرأة وهي تمتنع منه، ثم إن أخاها صادفه بعد ذلك فبرطل القاضي بدينارين ذهبا فانقلب معه على أخيها فحكيت ذلك لأخي أفضل الدين فقال هذا يستحق التأديب بالعمى فعمى الحاكم بعد ثلاثة أيام فهو أعمى إلى وقتنا هذا، وما حكيت لك هذه الحكايات إلا لتعرف زمانك وتحترز حتى من ولدك، وأما الخيانة الكلام فكثيرة جدا فلا تكاد تجد أحدا يحفظ لك السر أبدا ولم تزل الناس يحتاجون إلى من يكتم أسرارهم في كل عصر وحامل السر فقد من الدنيا فاكتم سرك حتى عن ولدك، فربما صار عدوا لك كما وقع لأولاد الأمير الزردكاش فاطلعوا من والدهم على ما يوجب القتل عند الملوك فأنهوا ذلك إلى الباشا علي بمصر فسلب نعمته وأذله حتى عزم على شنقه وحصل له اللطف بواسطة واحد زاره من الفقراء والله يحفظ من يشاء كيف يشاء:
روى أبو يعلي والحاكم والبيهقي مرفوعا: