ودخلت مرة على سيدي الشيخ ناصر الدين اللقاني المالكي رضي الله عنه زائرا ومعي بعض كعك فقال: والله ما نصحب مثلكم إلا ليأخذ بيدنا في عرصات القيامة لا غير، فكانت تعجبني هذه الكلمة منه وإن كان فيها علة خفية من حيث أن المحبة لله لا يريد صاحبها ممن أحبه جزاء ولا شكورا.
وقد ظفرت في زماني كله بواحد له هذا المقام وهو سيدي عبد القادر المغازلي الذي وقف علي وعلى ذريتي ثم بعد ذريتي على الشيخ أبي الحمائل نصف السيرجة ونصف الطاحون بخط بين السورين، فإنه لما رأى الوارد علي كثيرا من غير علمي أتى بسبعمائة دينار ليشتري بهما النصفين المذكورين، فلما رأى البائع عزمه سامح الآخر بالبعض، فقلت للفقراء الذين عندي اجعلوا له سبعا وادعوا له فقرؤوا تلك الليلة فنزل وهو ضعيف يتوكأ على عصا من بيته، وقال ما مع أحد منكم إذن مني أن يقرأ لي ولا يقول اللهم ارحم عبد القادر أبدا، وخلوا بيني وبين ربي رحمة الله تعالى، وإلى الآن ما وجدت أحدا على قدمه بل كل من فعل خيرا للفقراء يكاد يستعبدنا ويأخذ جميع أعمالنا الصالحة إن كان لها وجود ولا نرضيه.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إن الله تعالى يغار من محبة عبده أحدا غيره إلا بإذنه على الكشف والشهود ومتى أحب أحدا غافلا عن هذا المشهد فينبغي له الاستغفار ألف مرة فقد أذن الشبلي مرة فوقف عند قوله أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال وعزتك وجلالك لولا أمرتني بذكر غيرك ما ذكرت سواك.
ولا يخفى أن هذا كان من الشبلي حال سكره وغيبته، وإلا فلو كان صاحيا لعلم أن الله تعالى أمرنا بذلك، فإن المحمود إنما الغيرة لله لا على الله.
وهناك أسرار يذوقها أهل الله تعالى إذا صاروا لا يشهدون إلا الله تعالى فاعلم ذلك وتدبر فيه، والله يتولى هداك.
وروى الشيخان والترمذي والنسائي مرفوعا: " " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه ممن سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله تعالى، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار " ".