* (كل شئ هالك إلا وجهه) *.
أي وجه الشئ الموافق لما يحبه الله ويرضاه، ويعبرون عن عجب الذنب أيضا بوجه الحق، لأن منه يركب الخلق يوم البعث، فلا تظن يا أخي أن المراد بوجه الحق ما يراد بوجه الإنسان والحيوان فإن ذلك محال، فإن حقيقته تعالى مخالفة لسائر حقائق عباده التي هي الأرواح فضلا عن الصور الظاهرة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فعلم أن من أحب ولده أو زوجته حب الطبع فليس هو من أهل الطريق، وإنما هو مفتر كذاب، وكذلك من شح على سائل بشئ طلبه.
وبالجملة فمتى رجح ولده وزوجته عنده في المحبة على ولد الغير وزوجته فهي محبة طبيعية إلا أن يكون من الكمل الذين يحبون الخلق لله تعالى، ويعلمون أن فيهم جزءا يحب ترجيح محبة ولده على ولد الغير فيعطون ذلك الجزء حقه فليزن مدعي الكمال نفسه بهذا الميزان، فعلم أنه لولا وجود صفة صالحة في أولاد الكمل ما أحبوهم، فالصفة الصالحة هي وجه الحق فما أحبوا حقيقة إلا وجه الحق.
وقد عز الأخ الذي يحب أخاه لله في هذا الزمان وصار كالكبريت الأحمر، فلكل واحد لسان قدام أخيه ولسان ورواءه حتى بعض مشايخ الزوايا، وإن شككت في قولي هذا فامدح له بعض أقرانه وبالغ فيه حتى أنك تكاد تطفي نوره، فإنه لا بد أن يذكر لك كلاما فيه رائحة تنقيص تعريضا أو تصريحا، فأين دعواه المحبة؟ وما صحبت في عصري هذا أخا صالحا أتحقق أنه من ورائي مثل ما هو قدامي غير الشيخ الصالح زين العابدين ابن الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ عبيد البلقيسي، فسح الله في أجله لا يعرف عدو يأخذ منه كلمة في حق أصحابه كلهم، لأنه يقلب كل كلام فيه رائحة نقص ويجعله يعطي الكمال وهذا عزيز جدا.
وقد ادعى شخص من مشايخ العصر أن يحبني أعز من ولده وحلف لي بالله العظيم وله نحو عشرين نصفا من الجوالي، فأرسلت أمتحن دعواه وأطلب منه أن يرتب لي نصفا واحدا منها فعبس في وجه السائل ومن ذلك اليوم ما ادعى محبتي قط.
وقد أجمع أهل الطريق على أن أقل مراتب الأخوة في الله تعالى أن أخاه لو طلب منه نصف ما بيده من مال وثياب وطعام وغير ذلك لأعطاه له بانشراح صدر.