فلا بد من جهلهم بالله تعالى، لأن تجليه دائما أبدا الآبدين ودهر الداهرين، فإن قدر أن الإنسان عرف ما مضى فلا يعرف ما يأتي.
وأجمع العارفون أن الحق تعالى لا يتكرر له تجل في صفة أبدا.
وأجمعوا على أنه تعالى خالق لجميع الوجود الكوني علوا وسفلا، وأنه تعالى خالق غير مخلوق، ومن كان خالقا غير مخلوق ولا يعرف، ومن شك في قولي هذا فليتعقل لنا شئ بعقله لم يخلقه الله تعالى لا محسوسا ولا معنويا مما تصوره القوة المصورة، فإنه لا يقدر أبدا فكيف يصور الله تعالى، فللحق تعالى أن يرد على أهل العقول جميع المعارف التي اكتسبوها بعقولهم، ويقول لهم ما أحد منكم عرفني حق معرفتي.
وسمعت سيدي عليا الخواص رضي الله تعالى عنه يقول: من طلب معرفة الله تعالى من طريق الفكر دون الكشف فمن لازمه الشبه ولا يخرج عن ذلك إلا بالكشف.
وسمعت أخي أفضل الدين رضي الله تعالى يقول: إنما أدخل إبليس على المتكلمين التأويل ليحرمهم ثواب كمال الإيمان بالغيب، وذلك لأن الله تعالى ما كلفهم إلا أن يؤمنوا بعين ما نزل لا بما أولوه بعقولهم، قال تعالى:
* (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) * وقال تعالى * (آمنوا بما نزلنا) *.
وقد بسطنا الكلام على ذلك في كتاب فصوص اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، وهو مجلد ضخم فراجعه ترى شيئا لم تجده في كتاب أحد من المتكلمين، ولله الحمد.
وليس هذا من باب الدعوى وإنما هو حق، وإيضاحه أن كل كلام خلقه الله ليس له مثل حقيقة من كل وجه إذ حقيقة المثلية أن لا يزيد أحد الكلامين على الآخر حرفا ولا معنى، فلا بد من زيادة أحدهما أو نقصه عن الأخر فالمثلية موجودة في الذهن غير موجودة في نفس الأمر لمن عرف ما الأمر عليه، فكل كلام ذكره الإنسان يصح أن يقول فيه: هذا كلام لم يسبقنا إليه أحد، فافهم. والله تعالى أعلم.
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: " " الإيمان بضع وستون أو سبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول لا إله إلا الله " ".
قال الحافظ: يقال أماط الشئ عن الطرق إذا نحاه عنها وأزاله منها.